على أنّا لو سلمنا تكافؤهما فحيث إنّ تعارضهما بالإطلاق فلا مناص من تساقطهما ، وحيث إنّ الشبهة موضوعيّة فلا بدّ من الرّجوع فيها إلى الاستصحاب فترجع إلى استصحاب عدم وجوب الوضوء وعدم خروج البول منه ، وبما أنّ دلالة أدلّة الاستصحاب على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ بالعموم ، لقوله في صحيحة زرارة « ولا ينقض اليقين بالشكّ أبداً » (١) ، وكلمة أبداً تفيد العموم ، فلا محالة تتقدّم على المطلقات الواردة في المقام المقتضية لوجوب الوضوء في مفروض الكلام ، فبعموم أدلّة الاستصحاب نحكم بعدم وجوب الوضوء عليه.
وعلى الجملة إنّ النسبة بين أدلّة الاستصحاب والأخبار الواردة في المقام عموم من وجه ، حيث إنّها تدل على وجوب الوضوء فيما إذا بال قبل الغسل ، سواء أكان ذلك في موارد العلم الإجمالي كدوران الأمر بين البول والمني أم كان في غيرها كدوران الأمر بين المني والمذي أو بينهما وبين البول ، وهذا بخلاف الاستصحاب حيث إنّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي بوجه ، فهو أخص من الأخبار من تلك الجهة. كما أنّ الأخبار أخص من الاستصحاب من جهة أُخرى ، لأنّها دلّت على وجوب الوضوء بعد الغسل ، والاستصحاب غير مقيّد بالغسل وعدمه ، فالأخبار أخص من الاستصحاب من هذه الجهة ، فتتعارض فيما إذا بال المكلّف بعد الإنزال واغتسل ثمّ خرجت رطوبة مردّدة بين البول والمني والمذي ، فإنّ الأخبار تقتضي وجوب الوضوء والاستصحاب يقتضي عدمه. وبما أنّ دلالة أدلّة الاستصحاب بالعموم ، ودلالة الأخبار بالإطلاق فيتقدّم الاستصحاب على الأخبار في مورد المعارضة ، لاشتماله على قوله « ولا ينقض اليقين بالشكّ أبداً » ، وعليه لا يجب عليه الوضوء في مفروض المسألة.
وأمّا الأخبار الواردة في الاستبراء بالخرطات وأنّ من بال واستبرأ فلا يبالي بما خرج منه بعد ذلك من الرّطوبات المشتبهة ، فقد يقال إنّها أجنبيّة عن المقام بالمرّة لأنّ موضوعها من بال واستبرأ بالخرطات ، وموضوع الأخبار الآمرة بالوضوء من
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ ، ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١.