وكيف كان لا يمكن الاعتماد في الحكم بالحيضيّة في المسألة على الشهرة على تقدير تحقّقها ، ولا على الإجماع المنقول لو كان ، بل لا بدّ في الاستدلال من تفحص دليل قابل للاعتماد عليه ، والّذي قيل في المقام أمران :
أحدهما : وجه اعتباري : وهو أنّ الصفرة في أيّام العادة إذا كانت حيضاً فلا بدّ من الحكم بحيضيتها فيما إذا تأخرت عن أيّام العادة أيضاً ، لأنّ الدم بالتأخّر يزداد قوّة في القذف ، فإنّه يجتمع في الرّحم ، ومع التأخّر يزداد ويكثر فيكون في القذف أقوى من الدم غير المتأخّر.
ويدفعه : أنّه مجرّد وجه استحساني ولا يمكن الاعتماد على مثله في الأحكام.
وثانيهما : ما عن شيخنا الأنصاري قدسسره من أنّ موثقة سماعة الّتي صرّحت بجواز تقدّم الدم على العادة تدل بتعليلها على أنّ الحيض قد يتأخّر عن العادة أيضاً حيث قال : « فإنّه ربّما تعجل بها الوقت » أي التعجيل وعدم الانضباط في خروجه أمر محتمل ، فإذا كان عدم الانضباط محتملاً في دم الحيض فكما يحتمل تقدّمه على العادة كذلك يحتمل تأخّره عن العادة ، فبهذا يحكم على أنّ الدم المتأخّر عن العادة حيض كما حكمنا على الدم المتقدّم عليها بذلك (١).
وفيه مضافاً إلى أنّه قياس لأنّ عدم انضباط دم الحيض بكونه محتمل التقدّم لا يلازم كونه محتملاً للتأخر أيضاً ، فلا وجه لقياس أحدهما بالآخر.
أنّ التقدّم في الرّواية إنّما لوحظ بالإضافة إلى أوّل العادة ، فمع تسليم دلالة الموثقة على تأخّر الحيض لا بدّ من أن يلاحظ التأخّر أيضاً بالإضافة إلى أوّل العادة لا بالإضافة إلى آخرها ومنتهاها. مثلاً إذا كانت المرأة ترى الحيض من اليوم الثّالث إلى عاشره من كلّ شهر فقد يتقدّم حيضها عن اليوم الثّالث وتراه من أوّله أو ثانيه ، فإذا فرضنا أنّ حيضها يمكن أن يتأخّر فيتأخّر عن اليوم الثّالث بيوم أو يومين وتراه في
__________________
(١) كتاب الطّهارة : ٢٠٠ السطر ٣١ / المقصد الثّاني في الحيض.