فذلكة الكلام
إنّ الحائض إذا انقطع دمها ظاهراً واحتملت عدم نقائها باطناً وإن لم يخرج الدم إلى الخارج لضعفه يتردّد أمرها بين كونها حائضاً أو طاهرة ، ولكلّ من الحالتين أحكام إلزاميّة ، وهي متنجزة في حقّها لعلمها الإجمالي ، فلا مناص من أن تخرج عن عهدتها ، وطريق ذلك أحد أمرين : إمّا الاحتياط بالجمع بين أحكام الحائض والطاهرة ، وإمّا الفحص والاختبار بالاستبراء ، وهذا في مثل الصّلاة وغيرها من العبادات بناءً على أنّها محرمة على الحائض حرمة تشريعيّة لا ذاتيّة.
وأمّا في مثل ذات البعل إذا طلب زوجها الوقاع فلا يتيسر فيه الاحتياط ، لدوران الأمر في التمكين بين المحذورين ، لأنّه واجب عليها إن كانت طاهرة وهو محرم عليها إن كانت حائضاً. وكذلك الحال في العبادات بناءً على أنّ حرمتها على الحائض ذاتيّة ومعه يتعيّن عليها الفحص والاختبار وإن كانت الشبهة موضوعيّة ولا يجب فيها الفحص كما حررناه في محله ، إلاّ أنّه في المقام لمّا كانت الأحكام متنجزة في حقّها وهي متمكنة من امتثالها بالفحص والاختبار فقد وجب عليها الفحص عقلاً ، لانحصار طريق امتثال الأحكام المنجزة بالفحص ، ومعه تكون الأوامر الواردة في الرّوايات إرشاديّة لا محالة. وإن شئت فقل : إنّ الاستبراء واجب شرطي ظاهراً ، لأنّ مفادهما واحد.
لكن ذلك كلّه مبنيّ على عدم جريان استصحاب عدم النّقاء في المقام ، وإلاّ لو جرى الاستصحاب في حقّها لما بيّناه في محلّه (١) من أنّ الاستصحاب كما يجري في الأُمور القارّة كذلك يجري في الأُمور التدريجيّة الّتي لها وحدة عرفية ، والأمر في المقام أيضاً كذلك ، فإنّ خروج الدم وسيلانه تدريجي ، وقد علمنا بخروج مقدار منه ونشك في خروج مقدار آخر منه إلاّ أنّه لكونه أمراً واحداً بالنظر العرفي لا مانع من استصحابه لا نحلّ به العلم الإجمالي ويتعيّن كونها حائضاً.
__________________
(١) في مصباح الأُصول ٣ : ١٢٦.