ففرض المرأة مستحاضة قبل عادتها وحكم عليها بأنّها في عادتها الآتية ترجع إلى بعض نسائها ، وأين هذا من الناسية الّتي ليست بمستحاضة قبل عادتها ، وإنّما تصير كذلك بعد عادتها وتريد معرفة حكم ما بعدها من عادتها ، ولا دلالة لها على أنّها فيما بعدها من عادتها ترجع إلى نسائها كما هو محل الكلام دون عادتها الآتية.
وأمّا ثالثاً فلأنها منصرفة عن الناسية في نفسها ، فإنّ الرّجوع إلى الأقارب إنّما يصح في غير ذات العادة ، إذ لا مانع من إرجاعها إلى عادة نسائها ، وأمّا ذات العادة في المقام فلا معنى لإرجاعها إلى عادة غيرها مع أنّها ذات عادة على الفرض تذكر وقتها وقد نسيت عددها.
ومع الغض عن جميع ذلك فالرواية مخصّصة بما ورد في ذات العادة وأنّها ترجع إلى أيّامها ، حيث يستفاد منها أنّ وظيفة الناسية الرجوع إلى أيّامها ، وحيث إنّها نسيت فترجع إلى استصحاب بقاء الحيض كما يأتي.
وأمّا عدم رجوعها إلى العدد فلأنّ ما دلّ على ذلك إمّا هو المرسلة الآمرة بالتحيّض سبعاً أو ستّاً ، وإمّا هو موثقة ابن بكير (١) الدالّة على التحيّض في الشهر الأوّل بعشرة أيّام وفي الشهر الثّاني بثلاثة ، ولا دلالة في شيء منهما على المدّعى ، أمّا المرسلة فلأنها على تقدير شمولها للناسية إنّما تشمل ناسية الوقت والعدد لا ناسية العدد فقط كما مرّ ، وأمّا الموثقة فهي مختصّة بالمبتدئة كما هو واضح.
إذن ما ذهب إليه المشهور المعروف من أنّ الناسية ترجع إلى التمييز بالصفات أو إلى العدد ممّا لم نقف له على دليل. بل المتيقن في حقّها هو الرّجوع إلى استصحاب الحيض.
وذلك لأنّها ذات عادة على الفرض ولا بدّ من أن ترجع إلى عادتها ، وحيث إنّها لا تتمكّن من ذلك لنسيانها فلا مناص من أن ترجع إلى الاستصحاب ، وهو استصحاب جار في الموضوع ومنقّح له ، حيث يثبت به أنّ عددها في عادتها
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ و ٦.