ذاتاً تتصف بحرمتين ذاتيّة وتشريعيّة ، ولا مانع من اجتماع حرمتين في شيء واحد إذا كان بعنوانين ، كما إذا أتى المكلّف بشيء من المحرمات الذاتيّة بداعي أمره الجزمي ، كما قد ينسب إلى بعض الصوفيّة حيث يشربون الخمر للتقرّب به إلى الله تعالى ، فإنّه محرم بالذات ومحرم تشريعاً أيضاً.
وأُخرى : تأتي الحائض بالعبادة لا بعنوان العبادة بل بعنوان آخر كعنوان التعليم ونحوه ، وهذا أيضاً لا شبهة في عدم حرمته لا تشريعاً إذ لم تنسب إلى الله أمراً قط ولم تقصد القربة بوجه ، ولا ذاتاً لما تقدّم من أنّ ذوات الأُمور العباديّة ممّا لا دليل على حرمتها.
وثالثة : تأتي بالعبادة لا على النحو الأوّل أعني بقصد أمرها الجزمي ، ولا على النحو الثّاني بأن تأتي بها لا بعنوان العبادة ، بل تأتي بها بعنوان العبادة لكن بقصد الرّجاء واحتمال مطلوبيتها واقعاً ، وهذا كما في موارد التردّد في أنّها حائض أو طاهرة فتأتي بالصلاة مثلاً لاحتمال مطلوبيتها ، وليست في ذلك حرمة تشريعيّة بوجه ، إذ لم تسند إلى الله الأمر بها ، وإنّما الكلام في أنّها محرمة بالذات أو أنّها غير محرمة بالذات كما هي ليست محرمة تشريعيّة ، وقد قدّمنا أنّ العبادات بناءً على كونها محرمة ذاتيّة على الحائض لا تتمكّن المرأة من الاحتياط فيها ، بل يدور أمرها بين الحرمة والوجوب.
ولكنّه قد يقال بأنّها متمكّنة من الاحتياط ولا ثمرة بين القول بحرمتها الذاتيّة وعدمه ، وذلك لأنّ المرأة إذا أتت بالعبادة باحتمال كونها طاهرة في الواقع فإن كانت في الواقع أيضاً طاهرة وهي مكلّفة بالصلاة فقد حصل بها الامتثال ، لأنّها أتت بوظيفتها على الفرض ، وإذا كانت حائضاً في الواقع فهي لم تأت بالعبادة أصلاً ، لأنّها إنّما قصدت العبادة على تقدير كونها طاهرة في الواقع ومأمورة بالصّلاة ، لأنّه معنى إتيانها باحتمال مطلوبيتها ، فإذا لم يحصل المعلّق عليه وهو كونها طاهرة لم تحصل العبادة. نعم أتت بذات العمل من أجزائه وشرائطه إلاّ أنّها ممّا لا يحتمل حرمته كما مرّ.