الوطء حتّى تغتسل. والكلام في مدرك ما ذهب إليه المشهور.
لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى العمومات والإطلاقات جواز وطئها في جميع الأزمنة حتّى زمان الحيض ، كقوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ... ) (١) ، وإنّما خرجنا عن مقتضى الإطلاقات بما دلّ على حرمة وطء الحائض من الكتاب والسنّة ، حيث خصّصها بغير زمان الحيض ، ولا بدّ من ملاحظة المخصّص لنرى أنّ الحرمة هل هي مستمرة إلى زمان الاغتسال أو هي منقطعة بزمان انقطاع الدم.
المخصّص الكتابي
أمّا المخصّص الكتابي وهو قوله تعالى ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ، قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ، وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (٢) فلا يمكن استفادة الحرمة منها إلى أيّ زمان ، وذلك لأنّ القرّاء السبعة قرأوا لفظة ( ... حَتّى يَطْهُرْنَ ... ) مخففة أي حتّى ينقطع دمهن ، ويساعده صدر الآية المباركة حيث قالت ( هُوَ أَذىً ) ، وذلك لأنّ الأذى إنّما هو الحيض إلى زمن انقطاعه ، وأمّا بعده فليس هناك أذى فتختصّ الحرمة بالمرأة ذات الدم ، وإذا انقطع دمها جاز وطؤها بمقتضى الآية الكريمة إلى هنا.
ولكن ذيلها ( ... فَإِذا تَطَهَّرْنَ ... ) ينافيه ، فإنّه وإن أمكن أن يكون بمعنى ... يَطْهُرْنَ ... بالتخفيف بأن يستعمل التطهّر في الطّهارة ، إذ قد يستعمل التفعّل في المجرّد ويقال زيد تمرّض بمعنى مرِض ، وعليه يطابق الذيل الصّدر ، إلاّ أنّ ظاهر الذيل هو التفعّل والتطهّر بمعنى الاغتسال ، فيدلّنا هذا الذيل بمفهومه على حرمة إتيان المرأة ما دامت لم تغتسل ولم تتطهّر ، فيتنافى صدر الآية وذيلها وتصبح الآية مجملة.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٣.
(٢) البقرة ٢ : ٢٢٢.