فيه كلام وقد تقدّم نظيره في الوضوء فيما إذا بال ونام وتوضّأ بقصد حدثه النومي دون البولي قاصداً لرفعه بوضوء آخر (١) ، وقد استشكل الماتن قدسسره في صحّته وإغنائه عما في ذمّته ، نظراً إلى أنّ الأغسال طبيعة واحدة ومتى تحقّق فرد منها ارتفع الجميع ، فلا انفكاك بين الفرد والطّبيعة ، لأنّه متى ما تحقّق تحققت الطّبيعة وارتفعت الأغسال بأجمعها ، ومعه يشكل الحكم بصحّة الغسل فيما إذا أتى به ناوياً عدم تحقّق الأغسال الأُخر ، وعليه أن يأتي بالغسل الآخر برجاء المطلوبيّة وقصد ما في الذمّة ، حيث يقطع بذلك بالامتثال ، لأنّه إمّا وقع غسله الأوّل صحيحاً وارتفع به الأغسال كلّها ، أو أنّه لو كان باطلاً فالغسل الثّاني وقع صحيحاً وبه ارتفعت الأغسال بأجمعها ، هذا.
ولكن الظّاهر صحّة ما أتى به من الغسل وإغنائه عن البقيّة ، بلا فرق في ذلك بين القول بوحدة طبائع الأغسال والقول بتعددها وتغايرها ، لأنّا إن قلنا بأن طبائع الأغسال طبيعة واحدة كما هو ظاهر المتن فلا إشكال في ما أتى به المكلّف من الغسل حيث أتى به قاصداً به القربة أمّا بقصده في نفسه لأنّه محبوب نفسي كما في غسل الجنابة أو بداعي أنّه واقع في سلسلة وجود الواجب النفسي ، ومع الإتيان بالطبيعة بقصد القربة لا موجب لبطلان ما أتى به من الغسل.
وأمّا إغناؤه عن بقيّة الأغسال وعدمه فهما حكمان شرعيّان خارجان عن اختيار المكلّف ، فقصده لأحدهما وقصد عدم تحقّق الآخر أو عدمه على حد سواء ، وحيث إنّ الشّارع حكم بإغناء الغسل الواحد عن الجميع فلا محالة تسقط به الأغسال الأُخر.
اللهمّ إلاّ أن ينوي بما أتى به الغسل الرّافع لما قصده وغير الرّافع لبقيّة الأغسال شرعاً ، لأنّه حينئذ تشريع محرّم ، ولم يجعل في الشّريعة المقدّسة غسل غير رافع عن بقيّة الأغسال ، فيحكم ببطلانه من جهة التّشريع ، وهو أمر آخر خارج عن محل
__________________
(١) تقدّم في المسألة [٤٨٩].