وقد تقدّم أنّ اقتضاء اجتماع الأمرين للجمع بين متعلقيهما في الخارج يتصور في صور ، وما نحن فيه ليس بشيء منها.
الثامنة عشرة : أنّ النقطة التي ينطلق منها إمكان الترتب بل ضرورته هي أنّه لا تنافي بين الأمر بالأهم والأمر بالمهم في ذاتهما ، مع قطع النظر عن اقتضائهما للاتيان بمتعلقيهما ، فالمنافاة إنّما هي بين متعلقيهما من ناحية عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما ، ومن الواضح أنّ هذه المنافاة ترتفع بتقييد فعلية الأمر بالمهم بترك الأهم وعصيان أمره ، مع عدم اقتضائه لعصيانه وتركه ، لما عرفت من استحالة اقتضاء الحكم لوجود موضوعه في الخارج ، وعلى ضوء ذلك فلا منافاة بين الأمر بالأهم والأمر بالمهم أصلاً ، لا بالذات كما عرفت ، ولا باعتبار اقتضائهما لمتعلقيهما ، فان متعلق الأمر بالأهم مطلوب على الاطلاق وليس في عرضه مطلوب آخر ليزاحمه ، وعلى تقدير تركه وعدم الاتيان به فالمهم حينئذ مطلوب ، والمفروض أنّه في هذا الظرف مقدور للمكلف عقلاً وشرعاً ، فإذا كان كذلك فلا مانع من تعلّق الأمر به ، وليس فيه تكليف بالمحال والجمع أبداً ، ومجرد ثبوت الأمر بالأهم في هذا الحال لا ينافيه لا ذاتاً ولا اقتضاءً ، ولعلّ المنكرين للترتب لم ينظروا إلى هذه النقطة نظرة عميقة صحيحة ، بل نظروا إليها نظرة سطحية ، وتخيّلوا أنّ اجتماع الأمر بالأهم والأمر بالمهم في زمان واحد غير معقول. وكيف ما كان فامكان الترتب على ضوء بياننا هذا قد أصبح أمراً ضرورياً ، فلا مناص من الالتزام به أصلاً.
التاسعة عشرة : أنّه لا تنافي ولا تزاحم بين الملاك القائم بالمهم في ظرف ترك الأهم وعصيان أمره ، والملاك القائم بالأهم على وجه الاطلاق ، كما أنّه لا تنافي بين إرادة المهم في هذا الظرف وإرادة الأهم على الاطلاق كما عرفت.
العشرون : أنّ الخطاب الناظر إلى موضوع خطاب آخر على قسمين :