أوهم ذلك أن كل ماء مسخن حكمه ذلك ، فدفعه باباحة الوضوء من ماء غيرته النار ، فالامر فيه للاباحة ، كقوله ( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) (١) كأن المخاطبين توهموا أن ليس لهم أن يتوضؤوا من ماء سخنته النار فأباح لهم ذلك وقال : توضؤوا منه.
فالوضوء فيه بمعناه الشرعي ، كما هو المتبادر من الاطلاقات الشرعية ، والعائد الى الموصول محذوف.
وكلمة « من » فيه : اما مرادفة للباء ، نحو « يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ » (٢) على ما قاله يونس ، أو لبيان الجنس فانك اذا قلت توضأت ، يقال : من أي ماء؟ تقول من ماء حار ، تأمل في هذا تعرف.
وهذا لو لم يكن أجود مما حمله عليه السيد السند المرتضى فليس بأدون منه فان فيما حمله عليه تكلفات.
أما أولا ، فلانه حمل (٣) الوضوء فيه على معناه اللغوي ، وهو اذا كان الكلام من صاحب الشرع بعيد.
وأما ثانياً ، فلانه لا بد فيه من القول بحذف المضاف في قوله « مما » أي : توضؤوا من مس ما غيرته النار ، والحذف خلاف الاصل ، وانما يصار اليه اذا كانت هناك قرينة واضحة ، أو لم يصح الكلام بدونه ، وهما هنا ممنوعان. وأما حذف العائد ، فمشترك بين الوجهين ، وهو شائع.
وأما ثالثاً ، فلانه يلزم من حمله هذا رجحان غسل اليد بمجرد مس الخبز
__________________
(١) سورة البقرة : ٦٠.
(٢) سورة الشورى : ٤٥.
(٣) حمل الوضوء في عرف الشرع على الوضوء اللغوي الذي هو مجاز في هذا العرف بدون قرينة واضحة كما هنا بعيد جداً « منه ».