وفيه مع ما عرفت سابقاً أن الغرض المسوق له الكلام بيان استحباب رفعهما حال القنوت في الصلاة المكتوبة ، وهو غير لازم منه ، لا مجرد الجواز والإباحة كما يلزم منه على تقدير التسليم ، مع أنه ليس بصريح في القنوت لجواز أن يراد بالدعاء الدعاء الذي يدعى به بين الأذان والإقامة فتدبر.
والأظهر عندي أن مستند الأصحاب في ذلك الباب ما مر في صدر تلك الرسالة من العمومات الدالة على استحباب رفع اليدين في الدعاء مطلقاً ، وتلك الأخبار المذكورة على تقدير ثبوتها وصحتها مؤيدة لها وكاشفة عن صحة مضمونها.
هذا ويمكن أن يستدل على إثبات ذلك المطلب بفتاوي الأصحاب ، فإن جمعاً كثيراً من العلماء وجماً غفيراً من الفقهاء من السلف الى الخلف رحمهمالله قد ذكروا ذلك في كتبهم الفقهية ، وحكموا باستحبابه من غير نكير ، فان التتبع يشهد بعدم الخلاف في ذلك بينهم. والظاهر أن ذلك وان لم يبلغ مبلغ الإجمال لكنه حجة.
قال في الذكرى : إذا أفتى جماعة من الأصحاب ولم يعلم لهم مخالف فليس إجماعاً قطعاً ، وخصوصاً مع علم العين للجزم بعدم دخول الإمام حينئذ ، ومع عدم علم العين لا يعلم أن الباقي موافقون ، ولا يكفي عدم علم خلافهم ، فإن الإجماع هو الوفاق لا عدم علم الخلاف.
وهل هو حجّة مع عدم متمسك ظاهر من حجة نقلية أو عقلية؟ الظاهر ذلك لان عدالتهم تمنع من الاقتحام على الفتوى بغير علم ، ولا يلزم من عدم الظفر بالدليل عدم الدليل ، خصوصاً وقد تطرق الدروس الى كثير من الأحاديث لمعارضة الدول المخالفة ومباينة الفرق المنافية ، وعدم تطرق الباقين الى الرد له ، مع أن الظاهر وقوفهم عليه ، وانهم لا يقرون ما يعلمون خلافه.
فان قلت : لعل سكوتهم لعدم الظفر بمستند من الجانبين.