من الغسل (١).
وحمل الشيخ في الاستبصار هذا الخبر على من تعمد الجنابة ، وقال : ان من فعل ذلك ففرضه الغسل على أي حال كان (٢).
أقول : هذا حمل بعيد لا يتمشى في الخبر المتقدم ، فان عاقلا لا يتعمد الجنابة وهو مريض مرضاً شديداً لا يقدر معه على حركة أصلا ، كما يصرح به قوله « فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء ».
وخاصة اذا كان في أرض باردة وليلة شديدة الريح والبرد ، وكان يتخوف ان هو اغتسل أن يصيبه عنت ومشقة من الغسل أيضاً ، وهو يعلم أنه ليس له بد من الغسل على أي حال وان أصابه منه ما أصابه ، وكيف يتعمد الجنابة ويقصد الجماع وهو لشدة الوجع لا يقدر عليه؟
فحمل هذا الخبر وما شاكله على من تعمد الجنابة يأباه سوق الكلام.
وفي الخبر الثاني اشكال من وجه آخر ، وهو أنه لا سبيل للقول باحتلام المعصوم ليضطر الى الغسل وتعمد جنابته وهو مريض يعلم أنه لا بد له من الغسل بعيد ، وكيف يفعل المعصوم باختياره ما يصير به مضطراً.
الا أن يقال : ان تلك الجنابة كانت نافعة لدفع مرضه أو تخفيفه ، ففعل ذلك لذلك فاضطر اليه ، وهذا ينافي الغرض المسوق له الكلام ، اذ حينئذ يستفاد منه أن دفع الضرر البدني بما أمكن ومهما أمكن شرعاً ضروري ، فكيف يأمر بما يورث المرض المديد ويوجب الضرر الشديد.
هذا وأورد في التهذيب في الاستدلال على ما ذهب اليه المفيد من وجوب الغسل على متعمد الجنابة وان خاف على نفسه حديثين ضعيفين صريحين في ذلك
__________________
(١) تهذيب الاحكام ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩.
(٢) الاستبصار ١ / ١٦٢.