ولنعد الى ما كنا فيه ، فنقول : ولو لا دعواهم الاجماع على حرمة لبس الحرير على الرجال مطلقا في الصلاة وغيرها الا حال الضرورة والحرب ، لكان القول بالاباحة مطلقاً على وجه الكراهة كما يقتضيه قانون التوفيق بين الاخبار في غاية القوة.
ولكن اجماعهم هذا على تقدير ثبوته لا يعم مثل التكة والقلنسوة وازرار الثياب واعلامها وما شابه ذلك مما لا تتم الصلاة فيه وحده ، وكيف يكون شاملا له وقد استثناه عن حكم الحرمة أكثر الاصحاب ، كما أومأ اليه ايماءً لطيفاً الفاضل الاردبيلي رحمهالله في الكتاب بقوله : وهو ـ أي : التحريم ـ مذهب البعض ، وعنى به المفيد وابن الجنيد ومحمد بن بابويه ، فانهم كما مر لم يستثنوا شيئاً ، فالظاهر من مذهبهم حينئذ عموم المنع.
واذا لم يكن اجماعهم هذا شاملا له كان مقتضى الجمع بين الاخبار كما تعرفت اباحة لبس الحرير مطلقاً على كراهة ، فهو باق على اباحته الاصلية السالمة عن المعارض المؤيدة برواية الحلبي وغيرها.
ومما قررناه ظهر أن ما يروى عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه نهى عن الحرير الا في موضع اصبعين أو ثلاث أو أربع ، مما لا يمنع من العمل به مانع من الاجماع والاخبار ، فهو داخل تحت الاباحة الاصلية ، فكون سنده عامياً لا يضر ، ولذا عمل به أكثر الاصحاب.
كما أشار اليه الشهيد الثاني في شرحه على اللمعة بعد قول الشهيد الثاني روح الله روحهما ويجب كون الساتر غير الحرير المحض للرجل والخنثى بقوله : واستثني منه ما لا تتم الصلاة فيه ، كالتكة والقلنسوة وما يجعل منه في أطراف الثوب ونحوها مما لا يزيد على أربع أصابع مضمومة (١).
__________________
(١) شرح اللمعة ١ / ٢٠٦.