حتى المباحات لو قصد فيها لله تعالى وفعل توصلا الى عبادته انسلك سلك الذكر.
ولما كان لله تعالى مدخلية في كل الاشياء جواهرها وأعراضها التي من فعل الله ، أو من فعل العباد ، من حيث الخلق أو الاقدار والتمكين والحكم والامر والنهي ، كان كل شيء صالحاً لان يقع موقعاً لذكر الله ، فالاعتبار اذن بالقصد والملاحظة لله سبحانه أو لغيره ، فتأمل واعتبر ولا تكن من الغافلين.
فكيف يمكن تخصيص الذكر بصلاة الجمعة في مقام الاستدلال؟ مع عدم النص والقرينة ، وهل هذا الا مجرد دعوى خال عن البينة والبرهان « قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » وبما ذكرناه ظهر فساد قوله قال الله تعالى في محكم كتابه (١).
وأما قوله قدسسره « وندب الى قراءتهما » فأقول : في أي موضع من القرآن ندب اليها ، وانه لا عين له ولا أثر في موطن من مواطنه ، ولا في باطن من بواطنه. نعم ورد ذلك في بعض الاخبار المأثورة عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم ما بقي الليل والنهار.
اللهم الا أن يقرأ ندب على هيئة المفعول ، وهو عن سياق كلامه قدسسره بعيد غاية البعد ، ومع ذلك يلزم منه التفكيك وهو أيضاً قبيح.
واعلم أن القائل بوجوب قراءة الجمعتين في ظهر يوم الجمعة والصدوق في الفقيه قال فيه : اقرأ في صلاة الظهر سورة الجمعة والمنافقين ، فان نسيتهما أو واحدة منهما وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع اليهما ما لم تتعد نصف السورة ،
__________________
(١) اذ الذكر ليس نصاً ولا ظاهراً في صلاة الجمعة ، وهو المعنى بالمحكم ، بل هو مشترك بين معان كثيرة كما عرفت ، وهو المراد بالمتشابه ، فالاية من المتشابهات لا من المحكمات فتدبر « منه ».