لو كان سياق الحديث هكذا : ان الله قد فرض على أمتي الجمعة لكان قوله « فمن تركها » الى آخره قرينة التعدية ، وعلى تقدير التسليم فهو مقيد بالامام العادل ، وليس فليس ، وبذلك ينكشف حكم تلك الاحاديث المطلقة العامة بثلاثتها ، فان ما من عام الاوقد خص ، جمعاً بين الاخبار.
مع أن المتبادر من قوله صلىاللهعليهوآله « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات » الى آخره أنه تعريض لبعض السامعين التاركين وتهديد لهم ، أو تخويف للغائبين الموجودين في عهده التاركين لها ، وتحريص لهم على فعلها والحضور لها.
على أن في متنه شيء يبعد صدوره عمن هو أفصح العرب ، وقد أوتي جوامع الكلم ، وهو قوله « عن ودعهم » فانهم متفقون على أن يدع لم يسمع من العرب ماضيه ولا فاعله ولا مصدره ، ولذلك جعلوا حذف الفاء دليلا على أنه واو ، اذ لو كان واحد منها مسموعاً مستعملا عندهم لما كان لهذا الدليل وجه ولا وقع ، فتأمل وأما قوله « مع أن قوله امام عادل ليس في بعض الروايات العامية » فهو كذلك كما في الكشاف ، ولا يقام الجمعة عند أبي حنيفة الا في مصر جامع ، لقوله عليهالسلام « لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر جامع » والمصر الجامع ما أقيمت فيه الحدود ونفذت فيه الاحكام ، ومن شروطها الامام ، أو من يقوم مقامه ، لقوله عليهالسلام « فمن تركها وله امام عادل أو جائر » الحديث.
وقوله « أربع الى الولاة : الفيء ، والصدقات ، والحدود ، والجمعات » فان أم رجل بغير اذن الامام ، أو من ولاه من قاض ، أو صاحب شرطة لم يجز (١).
وأنت وكل من هو قابل للخطاب خبيران بأنه حمل الامام في الحديث المذكور في الكتاب على من له رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا ، عادلا كان أو جائراً ، كما هو مذهبه ، لا على امام الصلاة كما فهمه المستدل قدسسره ، وادعى
__________________
(١) الكشاف ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥.