ألا وإنّ هذه الدّنيا الّتى أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تغضبكم وترضيكم ، ليست بداركم ولا منزلكم الّذى خلقتم له ولا الّذى دعيتم إليه ، ألا وإنّها ليست بباقية لكم ، ولا تبقون عليها ، وهى وإن غرّتكم منها فقد حذّرتكم شرّها. فدعوا غرورها لتحذيرها ، وإطماعها لتخويفها ، وسابقوا فيها إلى الدّار الّتى دعيتم إليها ، وانصرفوا بقلوبكم عنها ولا يخنّنّ أحدكم خنين الأمة على ما زوى عنه منها (١) ، واستتمّوا نعمة اللّه عليكم بالصّبر على طاعة اللّه ، والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه. ألا وإنّه لا يضرّكم تضييع شىء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم. ألا وإنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شىء حافظتم عليه من امر دنياكم ، أخذ اللّه بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ وألهمنا وإيّاكم الصّبر.
__________________
(١) الخنين ـ بالخاء المعجمة ـ : ضرب من البكاء يتردد به الصوت فى الأنف ، وأضافه إلى الأمة لأن الاماء كثيرا ما يضربن فيبكين ويسمع منهن الخنين ، ولأن الحرة تأنف من البكاء والخنين. و «زوى» أى : قبض