ومكارهه منها ، لتتّبعوا هذه وتجتنبوا هذه ، فإنّ رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، كان يقول : «حفّت الجنّة بالمكاره وحفّت النّار بالشّهوات». واعلموا أنّه ما من طاعة اللّه شىء إلاّ يأتى فى كره (١) ، وما من معصية اللّه شىء إلاّ يأتى فى شهوة. فرحم اللّه رجلا نزع عن شهوته (٢) وقمع هوى نفسه ، فإنّ هذه النّفس أبعد شىء منزعا ، وإنّها لا تزال تنزع إلى معصية فى هوى. واعلموا عباد اللّه أن المؤمن لا يمسى ولا يصبح إلاّ ونفسه ظنون عنده (٣) فلا يزال زاريا عليها ، ومستزيدا لها. فكونوا كالسّابقين قبلكم والماضين أمامكم ، قوّضوا من الدّنيا تقويض الرّاحل (٤) ، وطووها طىّ المنازل. واعلموا
__________________
(١) أى : لا شىء من طاعة اللّه إلا وفيه مخالفة لهوى النفس البهيمية فتكره إتيانه ولا شىء من معصية اللّه إلا وهو موافق لميل حيوانى فتشتهى النفوس إتيانه
(٢) نزع عنه : انتهى وأقلع ، فان عدى بألى كان بمعنى : اشتاق ، و «أبعد منزعا» أى : نزوعا ، بمعنى الانتهاء والكف عن المعاصى
(٣) ظنون ـ كصبور ـ : هو الضعيف والقليل الحيلة ، فيريد أن المؤمن يظن فى نفسه النقص والتقصير فى الطاعة ، أو هو من البئر الظنون التى لا يدرى أفيها ماء أم لا ، فتكون هنا بمعنى متهمة ، فهو لا يثق بنفسه إذا وسوست له بأنها أدت حق ما فرض عليها ، فالمؤمن هو الذى لا يصبح ولا يمسى إلا على حذر من نفسه معتقدا فيها التقصير والتضجيع فى الطاعة ، غير قاطع بصلاحها وسلامة عاقبتها ، وقوله «زاريا عليها» أى : عائبا ، تقول : زريت عليه أزرى زراية ، مثل حكيت أحكى حكاية ، إذا عبته ، وكذلك تزرى عليه ، وقال أبو عمرو : الزارى على الانسان : الذى لا يعده شيئا وينكر عليه فعله. وقوله «ومستزيدا» أى : طالبا لها الزيادة من طيبات الأعمال
(٤) التقويض : نزع أعمدة الخيمة وأطنابها ، والمراد أنهم ذهبوا بمساكنهم وطووا مدة الحياة كما يطوى المسافر منازل سفره ، أى : مراحله ومسافاته