أنّ هذا القرآن هو النّاصح الّذى لا يغشّ ، والهادى الّذى لا يضلّ ، والمحدّث الّذى لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة فى هدى ، ونقصان من عمى. واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة (١) ولا لأحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم (٢) فإنّ فيه شفاء من أكبر الدّاء ، وهو الكفر والنّفاق والغىّ والضّلال. فاسألوا اللّه به (٣) وتوجّهوا إليه بحبّه ، ولا تسألوا به خلقه. إنّه ما توجّه العباد إلى اللّه بمثله ، واعلموا أنّه شافع ومشفّع ، وقائل ومصدّق ، وأنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه (٤) ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فإنّه ينادى مناد يوم القيامة : «ألا إنّ كلّ حارث مبتلى فى حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن» فكونوا من حرثته وأتباعه ،
__________________
(١) أى : فقر وحاجة إلى هاد سواه يرشد إلى مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ، وسائق إلى شرف المنازل وغايات المجد والرفعة
(٢) اللأواه : الشدة
(٣) فاطلبوا من اللّه ما تحبون من سعادة الدنيا والآخرة باتباعه ، وأقبلوا على اللّه بالرغبة فى اقتفاء هديه ، وهو المراد من حبه ، ولا تجعلوه آلة لنيل الرغبات من الخلق ، لأنه ما تقرب العباد إلى اللّه بمثل احترامه والأخذ به كما أنزل اللّه.
(٤) شفاعة القرآن : نطق آياته بانطباقها على عمل العامل ، ومحل به ـ مثلث الحاء ـ كاده بتبيين سيئاته عند السلطان ، كناية عن مباينة أحكامه لما أتاه العبد من أعماله.