ألا وإنّ القدر السّابق قد وقع ، والقضاء الماضى قد تورّدّ (١) وإنّى متكلّم بعدة اللّه وحجّته ، قال اللّه تعالى : «إِنَّ اَلَّذِينَ قٰالُوا رَبُّنَا اَللّٰهُ ثُمَّ اِسْتَقٰامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ أَلاّٰ تَخٰافُوا وَلاٰ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ اَلَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» وقد قلتم ربّنا اللّه ، فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره ، وعلى الطّريقة الصّالحة من عبادته ، ثمّ لا تمرقوا منها ، ولا تبتدعوا فيها ، ولا تخالفوا عنها ، فإنّ أهل المروق منقطع بهم عند اللّه يوم القيامة ، ثمّ إيّاكم وتهزيع الأخلاق وتصريفها (٢) واجعلوا اللّسان واحدا ، وليخزن الرّجل لسانه (٣) فإنّ هذا اللّسان جموح بصاحبه ، واللّه ما أرى عبدا يتّقى تقوى تنفعه حتّى يخزن لسانه ، وإنّ لسان المؤمن من وراء قلبه (٤) ، وإنّ قلب المنافق من وراء لسانه ، لأنّ
__________________
(١) تورد : هو تفعل كتنزل ، أى : ورد شيئا بعد شىء. والمراد من القضاء الماضى ما قدر حدوثه من حادثة الخليفة الثالث وما تبعها من الحوادث ، وعدة اللّه ـ بكسر ففتح مخفف ـ : هى وعده ، أى : لا تخرجوا منها.
(٢) تهزيع الشىء : تكسيره ، والصادق إذا كذب فقد انكسر صدقه ، والكريم إذا لؤم فقد انثلم كرمه. فهو نهى عن حطم الكمال بمعول النقص. و «تصريف الأخلاق» : من «صرفته» إذا قلبته ، نهى عن النفاق والتلون فى الأخلاق ، وهو معنى الأمر بجعل اللسان واحدا
(٣) ليخزن ـ كينصر ـ أى : ليحفظ لسانه ، والجموح : من «جمح الفرس» إذا غلب فارسه فيوشك أن يطرح به فى مهلكة فيرديه.
(٤) لسان المؤمن تابع لاعتقاده لا يقول إلا ما يعتقد ، والمنافق يقول ما ينال به غايته الخبيثة ، فاذا قال شيئا أخطره على قلبه حتى لا ينساه فيناقضه مرة أخرى «٨ ـ ن ـ ج ـ ٢» فيكون قلبه تابعا للسانه