ودعيتم إلى الأمر الواضح ، فلا يصمّ عن ذلك إلاّ أصمّ (١) ولا يعمى عن ذلك إلاّ أعمى!! ومن لم ينفعه اللّه بالبلاء والتّجارب لم ينتفع بشىء من العظة ، وأتاه التّقصير من أمامه (٢) حتّى يعرف ما أنكر وينكر ما عرف ، فإنّ النّاس رجلان : متّبع شرعة ، ومبتدع بدعة ، ليس معه من اللّه برهان سنّة ، ولا ضياء حجّة ، وإنّ اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن ، فإنّه حبل اللّه المتين ، وسببه الأمين (٣) ، وفيه ربيع القلب ، وينابيع العلم ، وما للقلب جلاء (٤) غيره ، مع أنّه قد ذهب المتذكّرون ، وبقى النّاسون أو المتناسون. فإذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه ، وإذا رأيتم شرّا فاذهبوا عنه ، فإنّ رسول اللّه ، صلّى اللّه
__________________
(١) «يصم» يجوز فيه ضم حرف المضارعة وفتحه ، وهما بمعنى واحد ، تقول أصمه اللّه فصم يصم ـ مثل ظل يظل وتقول أيضا : أصمه اللّه فأصم يصم ، فذو الهمز يكون لازما ومتعديا ، وغير ذى الهمز يكون لازما ليس غير
(٢) الاتيان من الامام : كناية عن الظهور ، كأن التقصير عدو قوى يأتى مجاهرة لا يخدع ، ولا يفر ، فيأخذه أخذ العزيز المقتدر ، عند ذلك يعرف من الحق ما كان أنكر وينكر من الباطل ما كان عرف
(٣) جعل القرآن حبل اللّه لأن الحبل ينجو من تعلق به من الهوى المردية والقرآن ينجو من تعلق به من الضلال. و «المتين» القوى ، لأنه لا انقطاع له أبدا وتقول : متن الشىء ـ بضم التاء ـ أى : صلب وقوى واشتد
(٤) «ربيع القلب» لأنه يحيا كما تحيا الأنعام برعى الربيع ، والينابيع : جمع ينبوع ـ بوزان يعفور ، بفتح أوله ـ وهو عين الماء ، قال اللّه تعالى : «حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ اَلْأَرْضِ يَنْبُوعاً» والجلاء ـ بكسر الجيم ـ مصدر «جلوت السيف ونحوه» أى : صقله