المرسلين ، وأحيوا سنن الجيّارين (١)؟ أين الّذين ساروا بالجيوش ، وهزموا بالألوف ، وعسكروا العساكر ، ومدّنوا المدائن؟! منها : قد لبس للحكمة جنّتها (٢) ، وأخذ [ها] بجميع أدبها : من الإقبال عليها ، والمعرفة بها ، والتّفرّغ لها ، وهى عند نفسه ضالّته الّتى يطلبها ، وحاجته الّتى يسأل عنها ، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام (٣) وضرب بعسيب ذنبه
__________________
(١) سئل أمير المؤمنين عن أصحاب مدائن الرس ـ فيما رواه الرضى عن آبائه إلى جده الحسين ـ فقال : إنهم كانوا يسكنون فى مدائن لهم على نهر يسمى الرس من بلاد المشرق (هو نهر أرس فى بلاد أذربيجان) وكانوا يعبدون شجرة صنوبر مغروسة على شفير عين تسمى دوشاب (يقال : غرسها يافث بن نوح) وكان اسم الصنوبرة «ساه درخت» وعدة مدائنهم اثنتى عشرة مدينة : اسم الأولى أبان ، والثانية آذر ، والثالثة دى ، والرابعة بهمن ، والخامسة اسفندارمز ، والسادسة فروردين ، والسابعة اردى بهشت ، والثامنة خرداد ، والتاسعة مرداد ، والعاشرة تير ، والحادية عشرة مهر ، والثانية عشرة شهر نور. فبعث اللّه لهم نبيا ينهاهم عن عبادة الشجرة ويأمرهم بعبادة اللّه ، فبغوا عليه وقتلوه أشنع قتل : حيث أقاموا فى العين أنابيب من رصاص بعضها فوق بعض كالبرابخ ، ثم نزعوا منها الماء ، واحتفروا حفرة فى قعرها ، وألقوا نبيهم فيها حيا ، واجتمعوا يسمعون أنينه وشكواه ، حتى مات ، فعاقبهم اللّه بارسال ريح عاصفة ملتهبة سلقت أبدانهم ، وقذفت عليهم الأرض مواد كبريتية متقدة فذابت أجسادهم وهلكوا وانقلبت مدائنهم
(٢) جنة الحكمة : ما يحفظها على صاحبها من الزهد والورع ، والكلام فى العارف مطلقا
(٣) هو مع الاسلام : فاذا صار الاسلام غريبا اغترب معه لا يضل عنه. عسيب الذنب : أصله ، والضمير فى «ضرب» للاسلام ، وهذا كناية عن التعب والأعياء ، يريد أنه ضعف ، والجران ـ ككتاب ـ : مقدم عنق البعير من المذبح إلى المنحر