وألصق الأرض بجرانه ، بقيّة من بقايا حجّته (١) ، خليفة من خلائف أنبيائه.
ثم قال عليه السلام :
أيّها النّاس ، إنّى قد بثثت لكم المواعظ الّتى وعظ الأنبياء بها أممهم ، وأدّيت [إليكم] ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم ، وأدّبتكم بسوطى فلم تستقيموا ، وحدوتكم بالزّواجر فلم تستوسقوا (٢)!! للّه أنتم ، أتتوقّعون إماما غيرى يطأ بكم الطّريق ، ويرشدكم السّبيل؟! ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا ، وأقبل منها ما كان مدبرا ، وأزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار ، وباعوا قليلا من الدّنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى ، ما ضرّ إخواننا الّذين سفكت دماؤهم وهم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ، ويشربون الرّنق (٣)؟! قد ـ واللّه ـ لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم ، وأحلّهم دار الأمن بعد خوفهم ، أين إخوانى الّذين ركبوا
__________________
، «٩ ـ ن ـ ج ـ ٢» والبعير أقل ما يكون نفعه عند بروكه ، وإلصاق جرانه بالأرض : كناية عن الضعف كسابقه.
(١) «بقية» : تابع «لمغترب» ، وضمير «حجته ، وأنبيائه» للّه المعلوم من الكلام
(٢) استوسقت الأبل : اجتمعت وانضم بعضها إلى بعض
(٣) الرنق ـ بكسر النون ، وفتحها ، وسكونها ـ : الكدر ، ويقال : ماء رنق ، أى : كدر. وتقول : رنق الماء يرنق رنقا ـ مثل فرح يفرح فرحا ، ومثل نصر ينصر نصرا ـ وجاء مصدره على رنوق مثل جلوس ـ وكذلك ترنق ، أى : كدر وأرنقته أنا ورنقته ، أى : كدرته