وجوده ، وباشتباههم على أن لا شبه له ، الّذى صدق فى ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده ، وقام بالقسط فى خلقه ، وعدل عليهم فى حكمه ، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه. واحد لا بعدد ، دائم لا بأمد (١) ، وقائم لا بعمد.
تتلقّاه الأذهان لا بمشاعرة (٢) ، وتشهد له المرائى لا بمحاضرة. لم تحط به الأوهام بل تجلّى لها وبها امتنع منها ، وإليها حاكمها (٣) ليس بذى كبر امتدّت به النّهايات فكبّرته تجسيما ، ولا بذى عظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيدا ، بل كبر شأنا ، وعظم سلطانا.
وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الصّفىّ وأمينه الرّضىّ ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أرسله بوجوب الحجج (٤) وظهور الفلج ، وإيضاح المنهج ، فبلّغ الرّسالة
__________________
(١) الأمد : الغاية
(٢) المشاعرة : انفعال إحدى الحواس بما تحسه من جهة عروض شىء منه عليها والمرائى : جمع مرآة ـ بالفتح ـ وهى المنظر ، أى : تشهد له مناظر الأشياء لا بحضوره فيها شاخصا للأبصار
(٣) أى : إنه بعد ما تجلى للأوهام بآثاره فعرفته امتنع عليها بكنه ذاته ، وحاكمها إلى نفسها حيث رجعت بعد البحث حاسئة وحسيرة معترفة بالعجز عن الوصول إليه
(٤) أى : ليلزم العباد بالحجج البينة على ما دعاهم اليه من الحق ، والفلج : الظفر والفوز ، وهو بفتح فسكون ، وتقول : فلج على خصمه ـ من باب نصر ـ وفى المثل «من يأت الحكم وحده يفلج» وتقول : أفلجه اللّه عليه ، أى : أظفره. والاسم الفلج ، بوزن القفل ، وظهور الفلج : علو كلمة الدين