وليس فى الأشياء بوالج (١) ولا عنها بخارج. يخبر لا بلسان ولهوات (٢) ويسمع لا بخروق وأدوات. يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفّظ (٣) ويريد ولا يضمر ، يحبّ ويرضى من غير رقّة ، ويبغض ويغضب من غير مشقّة يقول لمن أراد كونه «كن» فيكون! لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، وإنّما كلامه ـ سبحانه ـ فعل منه (٤) أنشأه ، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.
لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجرى عليه الصفات المحدثات ولا يكون بينها وبينه فصل (٥) ولا له عليها فضل ، فيستوى الصّانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدع والبديع. خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه ، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها
__________________
(١) «والج» أى : داخل. وتقول : ولج يلج ـ مثل وعد يعد ـ ولوجا ـ كجلوس ـ وأولجه غيره ، وفى التنزيل : «يُولِجُ اَللَّيْلَ فِي اَلنَّهٰارِ»
(٢) اللهوات ، ومثله اللهيات : جمع لهاة ، وهى : اللحمة فى سقف أقصى الفم وتجمع على «لها» أيضا
(٣) أى : لا يتكلف الحفظ «وَلاٰ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا وَهُوَ اَلْعَلِيُّ اَلْعَظِيمُ»
(٤) «كلامه» أى : الألفاظ والحروف التى يطلق عليها كلام اللّه باعتبار ما دلت عليه وهى حادثة عند عموم الفرق ، ما خلا جماعة من الحنابلة ، أو المراد بالكلام هنا : ما أريد فى قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كٰانَ اَلْبَحْرُ مِدٰاداً لِكَلِمٰاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ـ الآية) وهو على ما قال بعض المفسرين أعيان الموجودات
(٥) «ولا يكون» عطف على «تجرى»