وتخشيعا لأبصارهم ، وتذليلا لنفوسهم ، وتخفيضا لقلوبهم ، وإذهابا للخيلاء عنهم ، لما فى ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتّراب تواضعا (١) ، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغرا ، ولحوق البطون بالمتون من الصّيام تذلّلا ، مع ما فى الزّكاة من صرف ثمرات الأرض ، وغير ذلك إلى أهل المسكنة والفقر (٢). انظروا إلى ما فى هذه الأفعال من قمع نواجم الفخر (٣) وقدع طوالع الكبر ولقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصّب لشىء من الأشياء إلاّ عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء ، أو حجّة تليط بعقول السّفهاء ، غيركم (٤) ، فإنّكم تتعصّبون لأمر لا يعرف له سبب ولا علّة : أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله ، وطعن عليه فى خلقته. فقال : (أنا نارىّ وأنت طينىّ) وأمّا
__________________
(١) عتاق الوجوه : كرامها ، وهو جمع عتيق من «عتق» إذا رقت بشرته. والمتون : الظهور
(٢) هذا نوع من تحكيم الفقراء فى أموال الأغنياء ، وتسليط لهم عليهم ، وفيه إضعاف لكبر الأغنياء
(٣) القمع : القهر ، وتقول : قمعته ـ مثل منعته ـ وأقمعته ، أى : قهرته وأذللته والنواجم : جمع ناجمة من «نجم» إذا طلع وظهر ، والقدع : الكف والمنع ، وتقول : قدعه ـ مثل منعه ـ وأقدعه أيضا ، إذا كفه وكبح جماحه
(٤) «تليط ، وتلوط» أى : تلصق ، وقوله «غيركم» أى : أنتم ، فانكم تتعصبون لا عن حجة يقبلها السفيه ، ولا عن علة تحتمل التمويه