لجباههم وأكفّهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، يطّلبون إلى اللّه تعالى فى فكاك رقابهم. وأمّا النّهار فحلماء علماء ، أبرار أتقياء ، قد براهم الخوف برى القداح (١) ينظر إليهم النّاظر فيحسبهم مرضى ، وما بالقوم من مرض ، ويقول قد خولطوا (٢) ولقد خالطهم أمر عظيم : لا يرضون من أعمالهم القليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون (٣) ، إذا زكّى أحدهم (٤) خاف ممّا يقال له! فيقول : أنا أعلم بنفسى من غيرى ، وربّى أعلم بى منّى بنفسى. اللّهمّ لا تؤاخذنى بما يقولون ، واجعلنى أفضل ممّا يظنّون ، واغفر لى ما لا يعلمون.
فمن علامة أحدهم : أنّك ترى له قوّة فى دين ، وحزما فى لين ، وإيمانا فى يقين ، وحرصا فى علم ، وعلما فى حلم ، وقصدا فى غنى (٥) ، وخشوعا فى عبادة ،
__________________
(١) القداح : جمع قدح ـ بالكسر ـ وهو السهم قبل أن يراش. وبراه : نحته ، أى : رقق الخوف أجسامهم كما ترقق السهام بالنحت
(٢) «خولط فى عقله ، أى : مازجه خلل فيه ، والأمر العظيم الذى خالط عقولهم هو الخوف الشديد من اللّه.
(٣) مشفقون : خائفون من التقصير فيها
(٤) زكى : مدحه أحد
(٥) «قصد» أى : اقتصادا. والتجمل : التظاهر باليسر عند الفاقة ، أى : الفقر