وتجمّلا فى فاقة ، وصبرا فى شدّة ، وطلبا فى جلال ، ونشاطا فى هدى ، وتحرّجا عن طمع (١) ، يعمل الأعمال الصّالحة وهو على وجل ، يمسى وهمّه الشّكر ويصبح وهمّه الذّكر ، يبيت حذرا ، ويصبح فرحا : حذرا لما حذر من الغفلة ، وفرحا بما أصاب من الفضل والرّحمة. إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره (٢) لم يعطها سؤلها فيما تحبّ ، قرّة عينه فيما لا يزول ، وزهادته فيما لا يبقى (٣) ، يمزج الحلم بالعلم ، والقول بالعمل ، تراه قريبا أمله ، قليلا زلله ، خاشعا قلبه ، قانعة نفسه ، منزورا أكله ، سهلا أمره ، حريزا دينه (٤) ، ميتة شهوته ، مكظوما غيظه ، الخير منه مأمول ، والشّرّ منه مأمون ، إن كان فى الغافلين كتب فى الذّاكرين ، وإن كان فى الذّاكرين لم يكتب من الغافلين (٥) ، يعفو عمّن ظلمه ، ويعطى من حرمه ، ويصل من قطعه ، بعيدا فحشه (٦) ، ليّنا قوله ، غائبا منكره ،
__________________
(١) التحرج : عد الشىء حرجا ، أى : إثما ، أى : تباعدا عن طمع
(٢) «إن استصعبت» أى : إذا لم تطاوعه نفسه فيما يشق عليها من الطاعة عاقبها بعدم إعطائها ما ترغبه من الشهوة
(٣) «ما لا يزول» هو الآخرة ، و «ما لا يبقى» هو الدنيا
(٤) منزورا : قليلا ، و «حريزا» أى : حصينا
(٥) أى : إن كان بين الساكنين عن ذكر اللّه فهو ذاكر له بقلبه ، وإن كان بين الذاكرين بلسانهم لم يكن مقتصرا على تحريك اللسان مع غفلة القلب
(٦) الفحش : القبيح من القول.