فاتّقوا اللّه الّذى نفعكم بموعظته ، ووعظكم برسالته ، وامتنّ عليكم بنعمته ، فعبّدوا أنفسكم لعبادته (١) ، واخرجوا إليه من حقّ طاعته.
ثمّ إنّ هذا الإسلام دين اللّه الّذى اصطفاه لنفسه ، واصطنعه على عينه ، وأصفاه (٢) خيرة خلقه ، وأقام دعائمه على محبّته ، أذلّ الأديان بعزّته ، ووضع الملل برفعه ، وأهان أعداءه بكرامته ، وخذل محادّيه بنصره (٣) ، وهدم أركان الضّلالة بركنه ، وسقى من عطش من حياضه ، وأتأق الحياض لمواتحه (٤) ، ثمّ جعله لا انفصام لعروته ، ولا فكّ لحلقته ، ولا انهدام لأساسه ، ولا زوال لدعائمه ، ولا انقلاع لشجرته ، ولا انقطاع لمدّته ، ولا عفاء لشرائعه (٥) ،
__________________
(١) «فعبدوا» أى : فذللوا
(٢) اصطناع الشىء على العين : الأمر بصنعته تحت النظر ، خوف المخالفة فى المطلوب من صنعته ، والمراد هنا تشريع الدين وتكميله على حسب علم اللّه الأعلى وتحت عنايته بحفظه ، ووجه التجوز ظاهر. وأصفاه العطاء وبه : أخلص له وآثره به ، وخيرة ـ بفتح الخاء ـ : أفضل ما يضاف إليه. أى : وآثر هذا الدين بأفضل الخلق ليبلغه للناس ، وتكسر خاؤه وياؤه حينئذ ساكنة أو مفتوحة
(٣) محاديه : جمع محاد : وهو الشديد المخالفة. والركن : العز والمنعة
(٤) تئق الحوض ـ كفرح ـ : امتلأ ، وأتاقه : ملأه. والمواتح : جمع ماتح وهو نازع الماء من الحوض
(٥) العفاء ـ كسحاب ـ : الدروس والاضمحلال ، تقول : عفا المنزل ، أى : درس. وعفته الريح ، يتعدى ويلزم ، وبابهما عدا ، وعفته الريح ـ بالتشديد ـ أيضا ، شدد للمبالغة ، وتعفى المنزل : مثل عفا ، والجذ : القطع ، والضنك : الضيق والوعوثة : رخاوة فى السهل تغوص بها الأقدام عند السير فيعسر المشى فيه. والوضح ـ محركة ـ : بياض الصبح ، والعصل ـ بفتح الصاد ـ : الاعوجاج يصعب تقويمه ، ووعث الطريق : تعسر المشى فيه ، وبابه قرب وتعب. والفج : الطريق الواسع بين جبلين