ولو كان لأحد أن يجرى له ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا للّه سبحانه دون خلقه ، لقدرته على عباده ، ولعدله فى كلّ ما جرت عليه صروف قضائه ، ولكنّه جعل حقّه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثّواب تفضّلا منه وتوسّعا بما هو من المزيد أهله
ثمّ جعل ـ سبحانه ـ من حقوقه حقوقا افترضها لبعض النّاس على بعض ، فجعلها تتكافأ فى وجوهها ، ويوجب بعضها بعضا ، ولا يستوجب بعضها إلاّ ببعض (١). وأعظم ما افترض ـ سبحانه ـ من تلك الحقوق حقّ الوالى على الرّعيّة ، وحقّ الرّعيّة على الوالى ، فريضة فرضها اللّه ـ سبحانه ـ لكلّ على كلّ ، فجعلها نظاما لألفتهم ، وعزّا لدينهم فليست تصلح الرّعيّة إلاّ بصلاح الولاة ، ولا يصلح الولاة إلاّ باستقامة الرّعيّة ، فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالى حقّه ، وأدّى الوالى إليها حقّها ، عزّ الحقّ بينهم ، وقامت مناهج الدّين ، واعتدلت معالم العدل ، وجرت على أذلالها السّنن (٢) ، فصلح بذلك الزّمان ، وطمع فى بقاء الدّولة ، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرّعيّة واليها ، أو أجحف
__________________
(١) فحقوق العباد التى يكافىء بعضها بعضا ولا يستحق أحد منها شيئا إلا بأدائه مكافأة ما يستحقه هى من حقوقه تعالى أيضا
(٢) ذل الطريق ـ بكسر الذال ـ : محجته. و «جرت أمور اللّه أذلالها ، وعلى أذلالها» أى : وجوهها ، والسنن : جمع سنة ، وطمع : مبنى للمجهول