صبيانه شعث الشّعور ، غبر الألوان من فقرهم ، كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم ، وعاودنى مؤكّدا (١) وكرّر علىّ القول مردّدا ، فأصغيت إليه سمعى فظنّ أنّى أبيعه دينى ، وأتّبع قياده (٢) مفارقا طريقتى ، فأحميت له حديدة ، ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضجّ ضجيج ذى دنف من ألمها (٣) وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له : ثكلتك الثّواكل يا عقيل (٤) ، أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرّنى إلى نار سجرها جبّارها لغضبه؟ أتئنّ من الأذى ولا أئنّ من لظى؟!! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة فى وعائها (٥) ومعجونة شنئتها ، كأنّما عجنت بريق حيّة أو قيئها ، فقلت : أصلة ، أم زكاة ، أم صدقة؟؟؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت ، فقال : لا ذا ولا ذاك ، ولكنّها
__________________
(١) شعث : جمع أشعث ، وهو من الشعر المتلبد بالوسخ ، والغبر ـ بضم الغين ـ جمع أغبر ، وهو متغير اللون شاحبه ، وأصله الغبار وهو التراب ، والعظلم ـ كزبرج ـ سواد يصبغ به ، قيل : هو النيلج ، أى : النيلة
(٢) القياد : ما يقاد به كالزمام
(٣) الدنف ـ بالتحريك ـ المرض ، والميسم ـ بكسر الميم وفتح السين ـ المكواة
(٤) ثكل ـ كفرح ـ أصاب ثكلا ـ بالضم ـ وهو فقدان الحبيب ، أو خاص بالولد ، والثواكل : النساء ، دعاء عليه بالموت لتألمه من نار ضعيفة الحرارة وطلبه عملا ـ وهو تناول شىء من بيت المال زيادة عن المفروض له ـ يوجب الوقوع فى نار سجرها ، أى : أضرمها ، الجبار وهو اللّه للانتقام ممن عصاه ، ولظى : اسم جهنم
(٥) الملفوفة : نوع من الحلواء أهداها إليه الأشعث بن قيس ، و «شنئتها» أى : كرهتها ، والصلة : العطية