الخالية ، الّذين احتلبوا درّتها (١) ، وأصابوا غرّتها ، وأفنوا عدّتها ، وأخلقوا جدّتها ، [و] أصبحت مساكنهم أجداثا (٢) ، وأموالهم ميراثا ، لا يعرفون من أتاهم ، ولا يحفلون من بكاهم (٣) ، ولا يجيبون من دعاهم ، فاحذروا الدّنيا ، فإنّها غدّارة غرّارة خدوع ، معطية منوع ، ملبسة نزوع (٤) ، لا يدوم رخاؤها ، ولا ينقضى عناؤها ، ولا يركد بلاؤها
منها فى صفة الزهاد :
كانوا قوما من أهل الدّنيا وليسوا من أهلها ، فكانوا فيها كمن ليس منها : عملوا فيها بما يبصرون ، وبادروا فيها ما يحذرون (٥) ، تقلّب أبدانهم بين ظهرانى أهل الآخرة (٦) يرون أهل الدّنيا يعظّمون موت أجسادهم ، وهم أشدّ إعظاما لموت قلوب أحيائهم
__________________
(١) الدرة ـ بالكسر ـ اللبن ، والغرة ـ بالكسر ـ الغفلة ، أى : أصابوا منها غفلة فتمتعوا بلذاتها ، وأفنوا العدد الكثير من أيامها ، وجعلوا جديدها خلقا قديما بطول أعمارهم
(٢) الأجداث : القبور
(٣) يحفلون يبالون
(٤) ما ألبست : إلا نزعت لباسها عمن ألبسته ، و «لا يركد» أى : لا يسكن
(٥) بادر المحذور : سبقه فلم يصبه
(٦) «تقلب أبدانهم» أى : تتقلب ، أى : إن أبدانهم وهى فى الدنيا تتقلب بين أظهر أهل الآخرة ، و «هو بين ظهرانيهم» أى : بينهم حاضرا ظاهرا