لا توافق الهدى ، وإن اجتمعا فاجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة ، كأنّهم أئمّة الكتاب وليس الكتاب إمامهم! فلم يبق عندهم منه إلاّ اسمه ، ولا يعرفون إلاّ خطّه وزبره (١)!! ومن قبل ما مثّلوا بالصّالحين كلّ مثلة (٢) وسمّوا صدقهم على اللّه فرية (٣) وجعلوا فى الحسنة عقوبة السّيّئة.
وإنّما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم ، وتغيّب آجالهم ، حتّى نزل بهم الموعود (٤) الّذى تردّ عنه المعذرة ، وترفع عنه التّوبة ، وتحلّ معه القارعة والنّقمة (٥) أيّها النّاس ، إنّه من استنصح اللّه وفّق ، ومن اتّخذ قوله دليلا هدى للّتى
__________________
(١) الزبر ـ بالفتح : الكتب مصدر كتب
(٢) «ما مثلوا» أى : شنعوا ، و «ما» مصدرية ، وقال ابن أبى الحديد «مثلوا بالتخفيف ـ نكلوا بهم ، مثلت يفلان أمثل بالضم مثلا بالفتح وسكون الثاء ، والاسم المثلة بالضم. ومن روى مثلوا ـ بالتشديد ـ أراد جدعوهم بعد قتلهم» اه
(٣) فرية ـ بالكسر ـ أى : كذبا ، و «على» فى قوله «على اللّه» لا تتعلق بالمتقدم ـ وهو «صدقهم» ـ وإنما تتعلق بالمتأخر ـ وهو «فرية» ـ أى : سموا صدقهم فرية وكذبا على اللّه ، فان أبيت أن تعلقه بفرية لكونه مصدرا متأخرا وذهبت إلى أن المصدر لا يعمل فى الذى يتقدمه لكونه ضعيف العمل لأنه إنما عمل حملا على الفعل ، قلنا : فليكن العامل فيه فعلا مقدار دل عليه هذا المصدر أو ليكن المصدر دالا على مصدر آخر يقدر متقدما على الحرف ، وهذا كله من الوضوح بحيث لا يزاد فى الدلالة عليه عن هذا المقدار
(٤) الموت الذى لا يقبل فيه عذر ، ولا تفيد بعده توبة
(٥) القارعة : الداهية المهلكة