هى أقوم (١) ، فإنّ جار اللّه آمن ، وعدوّ اللّه خائف ، وإنّه لا ينبغى لمن عرف عظمة اللّه أن يتعظّم ، فإنّ رفعة الّذين يعرفون ما عظمته أن يتواضعوا (٢) له ، وسلامة الّذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له. فلا تنفروا من الحقّ نفار الصّحيح من الأجرب ، والبارئ من ذى السّقم (٣) واعلموا أنّكم لن تعرفوا الرّشد حتّى تعرفوا الّذى تركه ، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذى نقضه ، ولن تمسّكوا به حتّى تعرفوا الّذى نبذه ، فالتمسوا ذلك من عند أهله ، فإنّهم عيش العلم ، وموت الجهل : هم الّذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم : لا يخالفون الدّين ، ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق ، وصامت ناطق.
__________________
(١) «من استنصح اللّه» أى : من أطاعه وعلم أنه يهديه إلى مصالحه ويرده عن مفاسده ويرشده إلى ما فيه نجاته ويصرفه عما فيه عطبه و «التى هى أقوم» تقديره : هدى للحالة التى اتباعها أقوم مما عداها ، وقال تعالى : «إِنَّ هٰذَا اَلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»
(٢) «ما» فى قوله «يعرفون ما عظمة اللّه» استفهامية مبتدأ ، والاسم الذى بعدها خبر عنها ، وجملتهما فى محل نصب مفعول للفعل السابق. وقد نص ابن أبى الحديد على أن من الناس من روى هذه الجملة بنصب «عظمة اللّه» وتقديرها أن تجعل «ما» زائدة ، ومثل هذا يقال فى قوله «يعلمون ما قدرته» وقوله «أن يتواضعوا» فالمصدر المنسبك من «أن» والفعل المضارع خبر «إن» فى قوله «فان رفعة ـ الخ»
(٣) البارىء : المعافى من المرض