من مختلف صور الأطيار (١) الّتى أسكنها أخاديد الأرض ، وخروق فجاجها وراسى أعلامها ، من ذات أجنحة مختلفة ، وهيئات متباينة ، مصرّفة فى زمام التّسخير (٢) ومرفرفة بأجنحتها فى مخارق الجوّ المنفسح والفضاء المنفرج ، كوّنها بعد أن لم تكن فى عجائب صور ظاهرة ، وركّبها فى حقاق مفاصل محتجبة (٣) ومنع بعضها بعبالة خلقه أن يسمو فى السّماء خفوفا ، وجعله يدفّ دفيفا ، ونسقها على اختلافها فى الأصابيغ (٤) بلطيف قدرته ، ودقيق صنعته ، فمنها مغموس فى قالب (٥) لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ، ومنها مغموس فى لون صبغ
__________________
وحدانيته لظهورها ووضوحها بمنزلة من يصيح بنا بصوت مسموع ينادينا إلى الايمان
(١) ذرأ : خلق. والأخاديد : جمع أخدود ، وهو الشق فى الأرض ، والخروق : جمع خرق ، وهى الأرض الواسعة تتخرق فيها الرياح. والفجاج : جمع فج ، وهو الطريق الواسع ، وقد يستعمل فى متسع الفلا ، والأعلام : جمع علم ـ بالتحريك ـ وهو الجبل
(٢) يصرفها اللّه فى أطوار مختلفة : تنتقل فيها بزمام تسخيره واستخدامه لها فيما خلقها لأجله ، ومرفرفة : من «رفرف الطائر» إذا بسط جناحيه ، والمخارق : جمع مخرق ، وهى الفلاة ، وشبه الجو بالفلاة للسعة فيهما
(٣) الحقاق ـ ككتاب ـ : جمع حق ـ بالضم ـ وهو مجتمع المفصلين ، واحتجاب المفاصل : استتارها باللحم والجلد ، والعبالة : الضخامة ، ويسمو : يرتفع ، وخفوفا : سرعة وخفة ، ودفيف الطائر : مروره فويق الأرض ، أو أن يحرك جناحيه ورجلاه فى الأرض ، ويدف : بكسر الدال
(٤) نسقها : رتبها ، والأصابيغ : جمع أصباغ ـ بفتح الهمز ـ جمع صبغ ـ بالكسر ـ وهو اللون ، أو ما يصبغ به
(٥) القالب : مثال تفرغ فيه الجواهر لتأتى على قدره ، والطائر ذو اللون الواحد كأنما أفرغ فى قالب من اللون. وقوله «قد طوق» أى : إن جميع بدنه بلون واحد ،