ويعرى من لباسه فيسقط تترى ، وينبت تباعا ، فينحتّ من قصبه انحتات أوراق الأغصان (١) ثمّ يتلاحق ناميا حتّى يعود كهيئته قبل سقوطه : لا يخالف سالف ألوانه ، ولا يقع لون فى غير مكانه. وإذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة ورديّة ، وتارة خضرة زبرجديّة ، وأحيانا صفرة عسجديّة (٢) فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن (٣) أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين وأقلّ أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه ، والألسنة أن تصفه؟! فسبحان الّذى بهر العقول (٤) عن وصف خلق جلاّة للعيون فأدركته محدودا مكوّنا ، ومؤلّفا ملوّنا ، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته وقعد بها عن تأدية نعته. وسبحان من أدمج قوائم الذّرّة (٥) والهمجة إلى ما فوقها من خلق الحيتان والفيلة ، ووأى على نفسه
__________________
«تترى» للمواصلة والالتصاق. وأصل «تترى» وترى بالواو من الوتر ، ومن الناس من يجعل ألفه للتأنيث فلا ينون ، ومنهم من يجعل الألف للالحاق فينون وقوله «تباعا» أى : لا فترات بينهما ، وكذلك حال الريش الساقط : يسقط شيئا بعد شىء وينبت جميعا
(١) ينحت : يسقط وينقشر ، وانحتات الأوراق : تناثرها
(٢) ذهبية
(٣) عمائق : جمع عميقة ، وهى البعيدة الغور ، والقرائح : جمع قريحة ، وهى الخاطر والذهن
(٤) بهر العقول : قهرها فردها ، وجلاه كجلاه ـ الأول بالتخفيف ، والثانى مضعف الحشو ـ : كشفه
(٥) الذرة : واحدة الذر ، وهو صغار النمل ، والهمجة ـ محركة ـ واحدة الهمج وهو ذباب صغير يسقط على وجوه الغنم. وقوائمها : أرجلها ، وأدمجها : أودعها فيها