.................................................................................................
______________________________________________________
ثانيهما : ما إذا لم يقدم على التبرّع من كيسه وإن أقدم على أن لا يأخذ منه اجرة فكان تبرّعاً إضافيّاً لا حقيقيّا ، كما لو غرّه الآمر فأخبره كذباً بأنّ المالك هو الذي رخّصك في أن تعمل لي هذا العمل تبرّعاً.
وحينئذٍ لا ينبغي الشكّ في الضمان ، إذ بعد انكشاف الحال وتغريم المالك الأجير وخروجه أي الأجير عن عهدة الضمان بأداء البدل يتّصف ذاك العمل المتبرّع فيه بكونه ملكاً للأجير ومحسوباً له ، والمفروض أنّه لم يأت به مجّاناً وملغياً لاحترامه وقد صدر بأمر الغارّ حسب الفرض واستوفى هذه المنفعة ، فلا جرم يكون ضامناً ، لا لأجل قاعدة الغرور ، بل لأجل استيفائه منفعة لم يعملها العامل مجّاناً ، بل سلّمها بتخيّل صدور الإذن ممّن بيده الإذن.
نظير ما لو كان مال زيد عند عمرو فقال له بكر : إنّ صاحب المال أذن لك في إتلافه أو إلقائه في البحر ، ففعل استناداً إلى إخبار هذا الكاذب الغارّ ، فإنّه بعد تغريم المالك إيّاه وخروجه عن عهدة الضمان وأداء البدل يفرض مالكاً لذلك المال المعدوم في اعتبار العقلاء ، فإذا كان مالكاً وقد أتلفه بأمر هذا الكاذب لا مجّاناً فلا جرم كان الآمر ضامناً. فإذا كان هذا هو الحال في الأموال ففي الأعمال أيضاً كذلك بمناط واحد ، وهما من هذه الجهة شرع سواء.
وعلى الجملة : فيفرق بين فرضي الغرور ، أي بين ما إذا أتلفه المتلف مجّاناً وملغياً لاحترام ماله دون أن يطالب المتبرّع له بشيء فلا يكون هناك ضمان حتى مع الأمر ، وبين ما إذا لم يتبرّع على سبيل الإطلاق بل سلّمه بعنوان أداء مال الغير إليه فكان تبرّعاً إضافيّاً ، أي لا يطالبه بشيء باعتبار أنّه سلّمه مال المالك الذي اعتقد أنّه أذن بذلك ، فإنّه بعد أن خرج عن عهدة الضمان فبما أنّ مال المسلم محترم لا يذهب هدراً صحّ له مراجعة الآمر المستوفي الضامن لذلك حسبما عرفت.