وإن كانت الإجارة على الوجه الثاني وهو كون منفعته الخاصّة للمستأجر فحاله كالوجه الأوّل (١) ، إلّا إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة ولم يكن من نوع العمل المستأجر عليه كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة
______________________________________________________
باعتبار وقوعها على ما ينافي حقّ الغير كانت صحّتها منوطة بإجازته ، فإذا أجاز صحّت الإجارة الثانية للمستأجر الثاني دون الأوّل المجيز كما لا يخفى.
ولكن الظاهر بطلان الإجارة المزبورة وعدم قبولها للصحّة حتى بالإجازة ، وليس للمستأجر إلّا فسخ الإجارة الأُولى أو إمضاءها.
والوجه فيه : أنّ الأجير بعد ما آجر نفسه بجميع منافعه كما هو المفروض فلا يعتبره العقلاء وقتئذٍ مالكاً لشيء في ذمّته كي يتمكّن من تمليكه بالإجارة ، لحرمانه عن تطبيق ما في ذمته في الخارج ، وعدم السبيل لصرف منافعه في غير ما استؤجر له أوّلاً.
وإن شئت فقل : كل ما يمكن صدوره من الأجير ممّا هو قابل للملك فهو مملوك للمستأجر بمقتضى الإجارة الأُولى المفروض صحّتها ، فعمله للغير محرّم ، لكونه تصرّفاً في ملك الغير. إذن فلا يسعه تمليك ما في ذمّته لشخص آخر ، لعجزه عن التسليم خارجاً بعد أن لم يكن له أيّ عمل مباح ، فهو في إجارته الثانية قد ملّك ما ليس له حق التمليك ، فلا جرم تقع باطلة في نفسها بمثابةٍ لا تنفع الإجازة في تصحيحها ، ضرورة أنّها لا توجب قلب ما وقع عمّا وقع ولا تخرجه عن كونه إجارة لما يتعذّر تسليمه ولا يمكنه تمليكه المحكوم بالفساد من أوّل الأمر حسبما عرفت ، فكيف يمكن تصحيح مثل هذه الإجارة بالإجازة؟!
(١) فيجري فيه جميع ما مرّ في الوجه الأوّل من الفروض المتقدّمة بأحكامها