.................................................................................................
______________________________________________________
وممّا يرشدك إلى عدم الحرمة ولزوم حمل الرواية على الكراهة أوّلاً : ما عرفت من التسالم وعدم الخلاف ، إذ لا تأمّل في أنّ هذه من المسائل العامّة البلوى الكثيرة الدوران ، فلو كانت الحرمة في مثلها ثابتة لكانت واضحة وشائعة ذائعة ، مع أنّه لم يوجد خلاف في عدمها ولم يُنسَب القول بها إلى أيّ أحد كما سمعت.
وثانياً : معتبرة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : كنت مع الرضا (عليه السلام) في بعض الحاجة فأردت أن أنصرف إلى منزلي فقال لي : «انصرف معي فبت عندي الليلة» فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المغيب فنظر إلى غلمانه يعملون في الطين أواري الدواب وغير ذلك ، وإذا معهم أسود ليس منهم «فقال : ما هذا الرجل معكم؟» قالوا : يعاوننا ونعطيه شيئاً «قال : قاطعتموه على أُجرته؟» قالوا : لا ، هو يرضى منّا بما نعطيه ، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط وغضب لذلك غضباً شديداً ، فقلت : جعلت فداك ، لِمَ تدخل على نفسك؟ «فقال : إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد (أجير. يب) حتى يقاطعوه على أُجرته ، واعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على أُجرته إلّا ظنّ أنّك قد نقصته أُجرته ، وإذا قاطعته ثمّ أعطيته أُجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبّة عرف ذلك لك ورأى أنّك قد زدته» (١).
فإنّ الاستئجار من غير المقاطعة لو كان حراماً لم يكن وجه لتعجّب الراوي عن غضبه (عليه السلام) وسؤاله عن منشئه ، فيعلم أنّ الفعل في نفسه لم يكن محرّماً في الشريعة ، وإنّما غضب (عليه السلام) لمخالفتهم لنهيه الشخصي المبني
__________________
(١) الوسائل ١٩ : ١٠٤ / كتاب الإجارة ب ٣ ح ١. والإرية : الاخية ، وهي عروة تربط إلى وتد مدقوق وتشدّ فيها الدابّة ، وربّما قيل للمعلف المصباح المنير : ٨.