.................................................................................................
______________________________________________________
الجهة الرابعة : بعد ما عرفت كبرى أقسام الضرر وأحكامها فاعلم أنّ مفاد دليل نفي الضرر نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر حسبما عرفت ، لا تشريع حكم يتدارك به الضرر الموجود أو المتوقّع حصوله ، كما في خيار الغبن ، حيث استند جماعة في ثبوته إلى دليل نفي الضرر بدعوى أنّ لزوم العقد ضرري فيرتفع بالحديث ويلزمه ثبوت الخيار ، وهو كما ترى ، لعدم نشوء الضرر من اللزوم ، وإنّما حصل بنفس العقد الذي أقدم إليه المغبون وأمضاه الشارع ، فإنّ الضرر هو النقص في المال وقد تحقّق بنفس افتراض صحّة العقد قبل أن يحكم عليه باللزوم ، غاية الأمر أنّ للشارع تدارك هذا الضرر وجبر الخسران بجعل الخيار ، وقد عرفت أنّ حديث لا ضرر لا ينهض لتدارك الضرر المفروض ، بل مفاده نفي حكم ينشأ منه الضرر لا غير.
والمقام من هذا القبيل ، فإنّا إذا فرضنا أنّ المدّة كانت وافية وحصل التأخير من باب الاتّفاق فضلاً عمّا إذا لم تكن وافية من الأوّل ، فبعد انقضاء المدّة كان الغرس أو الزرع في معرض القلع ، فالمستأجر متضرّر وقتئذٍ لا محالة ، غير أنّ هذا الضرر قابل للتدارك بإلزام المالك بالصبر ، لولا أنّ الحديث ناظر إلى نفي الضرر لا إلى تدارك الضرر الموجود كما عرفت ، فلا يجب على المالك إمهال المستأجر ، لعدم الدليل عليه.
وربّما يتوهّم عدم كون المقام من باب التدارك ، بل هو من قبيل نفي الحكم الضرري ، نظراً إلى أنّ إبقاء المستأجر غرسه أو زرعه في أرض الغير بغير إذنه محرّم ، وحيث إنّ هذه الحرمة من أجل ترتّب الفساد على القلع ضرريّة فهي مرفوعة بحديث نفي الضرر ، فالصبر وإن لم يجب على المالك لما ذكر من عدم لزوم التدارك إلّا أنّ المستأجر لو تمكّن من إجبار المالك على الإبقاء ساغ له ذلك شرعاً ، لعدم حرمة التصرّف في ملك الغير في حقّه بمقتضى الحديث.