.................................................................................................
______________________________________________________
يتصرّف فيه فإنّه لا ينبغي الشكّ في استقرار السيرة على أنّ الآخذ لم تكن له معارضة المالك في ذلك بدعوى أنّه مباح أصلي سبقته في الاستيلاء عليه بعد أن زال حقّه بالإعراض عنه ، بل يرونه وقتئذٍ ملزماً بالتخلية عنه وتسليمه إلى المالك بالضرورة. وهذا كاشف قطعي عن عدم زوال الملك بمجرّد رفع اليد ، وإلّا لما كان صاحبه أحقّ به ، غاية ما هناك أنّ الآخذ كان يستباح له التصرّف لولا مراجعة المالك ومطالبته ، فأقصى ما يترتّب على الإعراض هو مدلوله الالتزامي ، أعني : إباحة التصرّف لا ملكيّة المتصرّف.
ولكن هذه الإباحة لم تكن على حدّ الإباحة في باب العارية ونحوها بحيث تتّصف بالجواز المطلق ، ويكون للمالك الرجوع عن إباحته متى شاء.
بل هي شبيهة بالإباحة في باب المعاطاة التي التزم بها جماعة ، أو أنّها عينها في الاتّصاف بعد تعلّقها بعامّة التصرّفات باللزوم وعدم حقّ في الرجوع بعد أن أحدث الآخذ حدثاً في العين وتصرّف فيه نحو تصرّف ، فلو كان ثوباً ففصّله ، أو خشبة فنحتها وجعلها سريراً مثلاً بل حتى لو كان التصرّف بمثل النقل إلى مكان آخر بعيد ، كما لو أخذ أحدٌ ما أعرض عنه المسافر في الطريق وجاء به إلى بلده فإنّه ليس للمالك المراجعة والمطالبة حينئذٍ بالسيرة العقلائيّة ، فهذه سنخ إباحة يعبّر عنها بالإباحة اللازمة بالتصرّف بالمعنى الواسع لمفهوم التصرّف حسبما عرفت.
نعم ، ربّما تستتبع هذه الإباحة للملكيّة فيما لو كان التصرّف المفروض إباحته متوقّفاً عليها ، كالبيع ، حيث إنّه لا بيع إلّا في ملك ، فيلتزم بانتقاله إلى ملك الآخذ آناً ما قبل تحقّق البيع ، بعد أن كان المدلول الالتزامي للإعراض هو الترخيص في عامّة التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك.
وبعبارة أُخرى : البيع المرخّص فيه لم يكن فضوليّاً موقوفاً على إجازة المعرض.