والمعنى : التخيير بين أمرين : بين أن يقوم أقلّ من نصف الليل على البتّ ، وبين أن يختار أحد الأمرين ، وهما : النقصان من النصف ، والزيادة عليه. أو الاستثناء من أعداد الليل ، فإنّه عامّ ، والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه والزائد عليه.
وقال في المجمع : «وقيل : معناه : قم نصف الليل إلّا قليلا من الليالي ، وهي ليالي العذر ، كالمرض وغلبة النوم وعلّة العين ونحوها» (١).
واعلم أنّ للأصحاب خلافا في أنّ القيام في الليل عليه وعلى أمّته في بدو الإسلام فرض أو نفل؟ وعن عائشة : أنّ الله جعله تطوّعا بعد أن كان فرضا.
وقيل : كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، ثمّ نسخ بهنّ إلّا ما تطوّعوا به بنذر وشبهه.
وعن الحسن : كان قيام ثلث الليل فريضة على الناس ، وكانوا على ذلك سنة.
وقيل : كان واجبا ، وإنّما وقع التخيير في المقدار ثمّ نسخ بعد عشرة سنين.
وعن الكلبي : كان يقوم الرجل حتّى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين. ومنهم من قال : كان نفلا ، بدليل التخيير في المقدار ، ولقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) (٢).
والأصحّ أنّ التهجّد واجب عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينسخ أبدا. والنافلة في الآية بمعنى فريضة زائدة على الفرائض اليوميّة. وأمّا على أمّته فنسخ وجوبه وبقي استحبابه. والروايات المأثورة عن أئمّتنا صلوات عليهم مصرّحة بذلك.
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) اقرأه على تؤدة ، بتبيين الحروف وإشباع الحركات ،
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٣٧٧.
(٢) الإسراء : ٧٩.