الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣))
ولمّا ختم الله سبحانه سورة القيامة بأن دلّ على صحّة البعث بخلق الإنسان من نطفة ، افتتح هذه السورة بمثل ذلك ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) استفهام تقرير وتقريب ، ولذلك فسّر بـ «قد». وأصله : أهل ، بدليل قوله : أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم (١).
فالمعنى : قد أتى على الإنسان ، أي : أتى عليه قبل زمان قريب. (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) طائفة محدودة من الزمان الممتدّ غير المحدود (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) بل كان شيئا منسيّا غير مذكور بالانسانيّة ـ كالعنصر والتراب والطين ـ إلى أن نفخ فيه الروح.
والجملة حال من «الإنسان» كأنّه قيل : هل أتى عليه حين من الدهر غير مذكور. أو وصف لـ «حين» بحذف الراجع ، تقديره : لم يكن شيئا مذكورا فيه.
وعن حمران بن أعين قال : سألنا الصادق عليهالسلام عنه فقال : «كان شيئا مقدورا ، ولم يكن مكوّنا».
وعن سعيد الحدّاد عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «كان مذكورا في العلم ، ولم يكن مذكورا في الخلق».
وفيه دلالة على أنّ المعدوم معلوم وإن لم يكن مذكورا ، وعلى أنّ المعدوم يسمّى شيئا. والمراد بالإنسان آدم عليهالسلام. وهو أوّل من سمّي به ، فإنّه أتى عليه أربعون سنة لم يكن شيئا مذكورا ، لا في السماء ولا في الأرض ، بل كان جسدا ملقى من
__________________
(١) لزيد الخيل الّذي سمّاه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم زيد الخير. وصدره : سائل فوارس يربوع بشدّتنا. ويربوع : أبو حيّ. والسفح : أصل الجبل المنسطح. والقاع : المستوي من الأرض. والأكم : التلول المرتفعة. واحده : أكمة. والمعنى : راجعهم واسألهم عن قوّتنا أهل ...