طين قبل أن ينفخ فيه الروح. وروى عطاء عن ابن عبّاس : أنّه تمّ خلقه بعد عشرين ومائة سنة.
فبيّن أوّلا خلقه ، ثمّ ذكر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالجملة المستأنفة لبيان كيفيّة خلقهم ، فقال : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي : جنس بني آدم (مِنْ نُطْفَةٍ) وقيل : المراد بالإنسان الأوّل أيضا الجنس. والمعنى : قد أتى عليه حين من الدهر قبل الولادة لا يعرف ولا يذكر بالإنسانيّة ، بل كان عنصرا وترابا ونباتا ونطفة. ثمّ فصّل وبيّن خلقه بقوله : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ). فوضع الظاهر موضع المضمر ، للعناية بذكر اسمه صريحا في بيان كيفيّة خلقه. وهذا تقرير على ألطف الوجوه. فيقول : أيّها المنكر للصانع وقدرته أليس قد أتى عليك دهور لم تكن شيئا مذكورا ثمّ ذكرت؟ وكلّ واحد يعلم من نفسه أنّه لم يكن موجودا ثمّ وجد ، فإذا تفكّر في ذلك علم أنّ له صانعا صنعه ومحدثا أوجده.
وقيل : المراد بالإنسان الأوّل العلماء ، لأنّهم كانوا لا يذكرون ، فصيّرهم الله سبحانه بالعلم مذكورين بين الخاصّ والعامّ في حياتهم وبعد مماتهم.
وورد في تفسير أهل البيت عليهمالسلام أنّ المراد بالإنسان عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، على أنّ الاستفهام بمعنى النفي ، أي : ما مرّ زمان على الإنسان أنّه ليس مذكورا فيه.
على معنى : أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام مذكور في كلّ زمان ، معروف عند كلّ قوم.
ويؤيّد ذلك ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «يا عليّ كنت مع الأنبياء سرّا ، ومعي جهرا». وكيف لا يكون مذكورا في جميع الأزمنة والأحيان ، وقد كتب اسمه مع اسم الله عزوجل واسم رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، على ساق العرش وعلى سرادقاته (١) وأستار الجنّة ، قبل أن يخلق آدم عليهالسلام بأربعة عشر ألف سنة. وفي رواية اخرى : بأربعة وعشرين ألف سنة.
__________________
(١) سرادقات جمع سرادق ، وهي الخيمة ، أو الفسطاط الّذي يمدّ فوق صحن البيت.