قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧))
ولمّا وصف سبحانه المهاجرين الّذين هاجروا الديار والأوطان ، ثمّ مدح الأنصار الّذين تبوّؤا الدار والإيمان ، ثمّ ذكر التابعين بإحسان ، وما يستحقّونه من النعيم في الجنان ، عقّب ذلك بذكر المنافقين وما أسرّوه من الكفر والعصيان ، فقال :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يريد الّذين بينهم وبينهم أخوّة الكفر أو الصداقة والموالاة (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من دياركم (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) في قتالكم أو خذلانكم مساعدين لكم (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ) في قتالكم (أَحَداً أَبَداً) أي : من رسول الله والمسلمين إن حملنا عليه. أو في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة. (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) لنعاوننّكم (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في مواعيدهم لليهود. يعني : لا يفعلون ذلك ، كما قال :
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) وكان كذلك ، فإنّ ابن أبيّ وأصحابه راسلوا بني النضير بذلك ثمّ أخلفوهم. وفيه دليل على صحّة النبوّة وإعجاز القرآن. (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) أي : على التقدير والفرض ، كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١). فلا ينافي قوله : (لا يَنْصُرُونَهُمْ). (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) أي : ليهز منّ الله اليهود (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) لا ينفعهم نصرة المنافقين. أو ليهزمنّ المنافقون ثمّ لا ينصرون بعد ذلك ، أي : يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم ، لظهور كفرهم. إذ ضمير
__________________
(١) الزمر : ٦٥.