وألهمه أن ينتكس. أو ذلّل له سبيل الخير والشرّ بإقداره وتمكينه ، كقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (١). وعن ابن عبّاس : بيّن له السبيلين. ونصب «السبيل» بفعل يفسّره الظاهر ، للمبالغة في التيسير. وتعريفه باللام دون الإضافة للإشعار بأنّه سبيل عامّ. وفيه ـ على المعنى الأخير ـ إيماء بأنّ الدنيا طريق والمقصد غيرها. ولذلك عقّبه بقوله :
(ثُمَّ أَماتَهُ) عدّ الإماتة في النعم ، لأنّ الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبديّة واللذّات الخالصة (فَأَقْبَرَهُ) فجعله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له ، ولم يجعله مطروحا على وجه الأرض جزرا للسباع والطير كسائر الحيوان. يقال : قبر الميّت إذا دفنه ، وأقبره إذا أمره أن يقبره ومكّنه منه.
(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أنشأه النشأة الأخرى. وفي «إذا شاء» إشعار بأنّ وقت النشور غير متعيّن في نفسه ، وإنّما هو موكول إلى مشيئته.
(كَلَّا) ردع للإنسان عمّا هو عليه (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) لم يقض بعد ـ مع تطاول الزمان وامتداده من لدن آدم إلى هذه الغاية ـ ما أمره الله بأسره حتّى يخرج من جميع أوامره ، إذ لا يخلو أحد من تقصير مّا.
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢))
__________________
(١) الإنسان : ٣.