بطن الحوت ، وهو قوله : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (١). (وَهُوَ مَكْظُومٌ) مملوء غيظا. من : كظم السقاء إذا ملأه. والمعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة ، فتبتلي ببلائه.
(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) لو لا أن أدركته رحمة من ربّه ، من إجابة دعائه ، وقبول توبته عن ترك الأولى ، وتخليصه من بطن الحوت. وحسن تذكير الفعل للفصل. (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) بالأرض العارية الخالية عن الأشجار (وَهُوَ مَذْمُومٌ) مليم مطرود عن الرحمة والكرامة. وهو حال يعتمد عليها الجواب ، لأنّها المنفيّة دون النبذ ، لأنّه كان واقعا. ولو كان بغير اعتماد لكان النبذ منفيّا ، لكنّه واقع.
يعني : أنّ حاله كانت على خلاف الذمّ حين نبذ بالعراء ، ولو لا توبته لكانت حاله على الذمّ.
(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) بأن جمعه إليه ، وقرّبه بالتوبة عليه ، كما قال : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٢). أو بأن ردّ الوحي إليه. أو استنبأه إن صحّ أنّه لم يكن نبيّا قبل هذه الواقعة. (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) من الكاملين في الصلاح ، بأن عصمه من أن يفعل ما تركه أولى. أو من الأنبياء. والآية نزلت حين همّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يدعو على ثقيف. وقيل : بأحد حين حلّ به ما حلّ ، فأراد أن يدعو على المنهزمين.
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))
وروي : أنّه كان في بني أسد عيّانون (٣) ، فأراد بعضهم أن يعين رسول الله ، وكان الرجل منهم يتجوّع ثلاثة أيّام ، فلا يمرّ به شيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله
__________________
(١) الأنبياء : ٨٧.
(٢) طه : ١٢٢.
(٣) العيّان : الشديد الإصابة بالعين.