وتغليب أصحاب السعير على الكائنين فيهم حيث لم يقل : فسحقا لهم ولأصحاب السعير ، للإيجاز والمبالغة والتعليل ، لأنّه يشعر بأنّ الدعاء عليهم لكونهم من أصحاب السعير. وقرأ الكسائي بضمّ الحاء.
ولمّا بيّن الوعيد عقّبه بالوعد ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاينوه بعد. أو غائبين عنه ، أو عن أعين الناس. أو بالمخفي منهم ، وهو قلوبهم. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) تصغر دونه لذائذ الدنيا.
(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤))
روي : أنّ المشركين كانوا يتكلّمون فيما بينهم بأشياء ، فيخبر الله به رسوله ، فيقولون : أسرّوا قولكم لئلّا يسمعه إله محمّد ، فنبّه الله على جهلهم بقوله :
(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) ظاهره الأمر بأحد الأمرين : الإجهار والإسرار. ومعناه : ليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما. ثمّ علّله بقوله : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بالضمائر قبل أن تترجم الألسنة عنها ، فكيف لا يعلم ما تكلّم به؟! ثمّ أنكر أن لا يحيط علما بالمضمر والمسرّ والمجهر بقوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ألا يعلم السرّ والجهر من أوجد الأشياء كلّها حسبما قدّرته حكمته (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) المتوصّل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن. ويجوز أن يكون «من خلق» منصوبا بمعنى : ألا يعلم الله من خلقه وهو بهذه المثابة؟! والتقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون لـ «يعلم» مفعول ليفيد ، لأنّك لو قلت : ألا يكون عالما من هو خالق وهو اللطيف الخبير ، لم يكن معنى صحيحا ، لأنّ «ألا يعلم» معتمد على