العمر إحسان من الله وإفضال ، يوجب عليهم الشكر والطاعة ، ولكنّهم يجعلونه سببا في الكفر باختيارهم ، فلمّا تدرّجوا به إلى الهلاك وصف المنعم بالاستدراج. (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) لا يدفع بشيء. وسمّي إنعامه وتمكينه كيدا ، كما سمّاه استدراجا ، لأنّه في صورة الكيد ، حيث كان سببا للتورّط في الهلكة.
وعن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : «إذا أحدث العبد ذنبا جدّد له نعمة ، فيدع الاستغفار ، فهو الاستدراج».
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠))
ثمّ خاطب سبحانه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال على وجه التوبيخ للكفّار ، عطفا على قوله : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ).
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على الإرشاد (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) من غرامة (مُثْقَلُونَ) بحملها ، فيعرضون عنك.
(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) اللوح ، أو المغيّبات (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) منه ما يحكمون به ، ويستغنون به عن علمك ، أي : لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجرا ، فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم ، فيثبّطهم ذلك عن الإيمان.
ولمّا كان عدم انقيادهم لك لا يكون إلّا لفرط عنادهم وتوغّلهم في مكابرتهم ولجاجهم (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وهو إمهالهم ، وتأخير نصرتك عليهم (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) يعني : يونس عليهالسلام في استعجال عقاب قومه (إِذْ نادى) ربّه في