وقيل : معناه : أنّ شدّة الأمر وصعوبة حال ذلك اليوم تدعوهم إلى السجود ، وإن كانوا لا ينتفعون به ، وليس أنّهم يؤمرون به. وهذا كما يفزع الإنسان إلى السجود إذا أصابه هول من أهوال الدنيا.
وعن ابن مسعود : تعقم أصلابهم ، أي : تردّ عظاما بلا مفاصل ، لا تنثني عند الرفع والخفض ، فلا يستطيعون السجود. وفي الحديث : «تبقى أصلابهم طبقا واحدا» أي : فقارة واحدة.
(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) تلحقهم ذلّة. ثمّ علّل ذلك بقوله : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) في الدنيا ، أو زمان الصحّة (وَهُمْ سالِمُونَ) سالموا الأصلاب والمفاصل ، متمكّنون منه ، مزاحوا العلل فيه. يعني : أنّهم كانوا يؤمرون بالصلاة في الدنيا فلم يفعلوا.
وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام أنّهما قالا : «في هذه الآية أفحم القوم ، ودخلتهم الهيبة ، وشخصت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، لما رهقهم من الندامة والخزي والمذلّة ، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، أي : يستطيعون الأخذ بما أمروا به ، والترك لما نهوا عنه ، ولذلك ابتلوا».
ثمّ قال تسلية لرسوله وتهديدا للمكذّبين : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) كله إليّ ، فإنّي أكفيكه. والمعنى : حسبي مجازيا لمن يكذّب بالقرآن ، فلا تشغل قلبك بشأنه ، وتوكّل عليّ في الانتقام منه. (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) سندينهم من العذاب درجة درجة ، بالإمهال وإدامة الصحّة وازدياد النعمة ، فإنّ استدراج الله العصاة أن يرزقهم الصحّة والنعمة ، فيجعلوا رزق الله ذريعة إلى ازدياد الكفر والمعاصي ، ثمّ يجزيهم (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) من الجهة الّتي لا يشعرون أنّه استدراج ، وهو الإنعام عليهم ، لأنّهم حسبوه تفضيلا لهم على المؤمنين ، وهو سبب لهلاكهم.
(وَأُمْلِي لَهُمْ) أمهلهم ليزدادوا إثما. ولا شبهة أنّ الصحّة والرزق والمدّ في