(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠))
ثمّ عاد الكلام إلى ذكر المكذّبين ، فقال : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) في الدنيا (قَلِيلاً) أي : تمتّعا قليلا ، أو زمانا قليلا ، فإنّ الموت كائن لا محالة (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) حال من المكذّبين ، أي : الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك في الآخرة ، إيذانا بأنّهم كانوا في الدنيا أحقّاء بأن يقال لهم ذلك ، تذكيرا لهم بحالهم السمجة ، وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم. ويجوز أن يكون ذلك كلاما مستأنفا خطابا للمكذّبين في الدنيا ، دلالة على أنّ كلّ مجرم ما له إلّا الأكل والتمتّع أيّاما قلائل ، ثمّ البقاء في الهلاك أبدا. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بما ذكر.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) اخشعوا لله وتواضعوا له واخضعوا ، بقبول وحيه واتّباع دينه ، واطرحوا هذا الاستكبار والنخوة (لا يَرْكَعُونَ) لا يمتثلون ذلك ، ويصرّون على استكبارهم.
وقيل : المراد الأمر بالصلاة أو بالركوع فيها ، إذ روي أنّها نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصلاة ، فقالوا : لا ننحني ، أي : لا نركع ، فإنّها مسبّة علينا. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود. واستدلّ به على أنّ الأمر للوجوب ، وأنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.
وقيل : هو يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بذلك.
(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) إذا لم يؤمنوا به. يعني : أنّ القرآن من بين الكتب المنزلة آية مبصرة ومعجزة باهرة ، مشتملة على الحجج الواضحة والمعاني الشريفة ، فحين لم يؤمنوا به فبأيّ كتاب بعده يؤمنون؟!