الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢))
ثمّ نبّه سبحانه على قدرته على الخسف وإرسال الحجارة ، فقال :
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) باسطات أجنحتهنّ في الجوّ عند طيرانها ، فإنّهنّ إذا بسطنها صففن قوادمها (وَيَقْبِضْنَ) ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهنّ وقتا بعد وقت ، للاستظهار به على التحرّك. ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل ، للتفرقة بين الأصل في الطيران ، وهو صفّ الأجنحة ـ لأنّ الطيران في الهواء كالسباحة في الماء ، والأصل في السباحة مدّ الأطراف وبسطها ـ وبين القبض الّذي هو طارىء على البسط للاستعانة به على التحرّك ، كما يكون من السابح.
(ما يُمْسِكُهُنَ) في الجوّ على خلاف الطبع (إِلَّا الرَّحْمنُ) الشامل رحمته كلّ شيء ، بأن خلقهنّ على أشكال وخصائص يتأتّى منها الجري في الهواء (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبّر العجائب.
(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) وهذا عديل لقوله :
(أَوَلَمْ يَرَوْا) على معنى : أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع ، فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب؟ أم لكم هذا الّذي هو جند لكم ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه؟ ويجوز أن تكون الإشارة إلى جميع الأوثان ، لاعتقادهم أنّهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم ، فكأنّهم الجند الناصر